كنت قد انتويت أن أكتب لك منذ زمن بعيد, لكن ظروفي حالت دون ذلك, والآن فإني أشعر بأنه قد آن الأوان لكي أطلعك
أنت و قراء هذا الباب علي تجربتي مع الحياة . فأنا سيدة في الثامنة و الثلاثين من العمر نشأت في أسرة ميسورة
الحال و عشت في كنفها حياة هادئة إلي أن تخرجت في الجامعة .. و عقب التخرج إلتحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا
كبيرا .. و أحببت عملي كثيرا و أعطيته كل اهتمامي , و تقدمت فيه سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي . و كنت
خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي و اختياي , و بدأ الخطاب يتقدمون إلي , لكنني لم أجد في أحدهم
مايدفعني للارتباط به, ثم جرفني العمل و الانشغال به عن كل شيء آخر حتي بلغت سن الرابعة و الثلاثين و بدأت
أعاني النظرات المتسائله عن سبب عدم زواجي حتي هذه السن . و تقدم لي شاب من معارفنا يكبرني بعامين .. و
كان قد أقام عقب تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل .. و لم يحقق أي نجاح مادي , و كان بالنسبة لي
محدود الدخل, لكني تجاوزت عن هذه النقطة و رضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض كل ما يعجز هو
بإمكاناته المحدودة عنه.. و ستكون لنا حياة ميسورة بإذن الله. و قد ساعدني علي اتخاذ هذا القرار أنني كنت قد بدأت
أحبه .. و أنه قد أيقظ مارد الحب النائم في أعماقي و الذي شغلت عنه طيلة السنوات الماضية بطموحي في العمل ,
كما أنه كان من هؤلاء البشر الذين يجيدون حلو الكلام , و قد روي بكلامه العذب ظمأ حياتي . و بدأنا نعد لعقد القران و
طلب مني خطيبي صورة من بطاقتي الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران.. و لم أفهم في ذلك الوقت مدي
حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له.
و في اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي تليفونيا و تطلب مني بلهجة مقتضبة مقابلتها علي الفور.. و توجست خيفة
من لهجتها المتجهمة , و أسرعت إلي مقابلتها. فإذا بها تخرج لي صورة بطاقتي الشخصية و تسألني هل تاريخ ميلادي
المدون بها صحيح ؟ و أجبتها بالإيجاب و أنا أزداد توجسا و قلقا , ففوجئت بها تقول لي: إذن فإن عمرك يقترب الآن من
الأربعين .
و ابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض أن عمري34 عاما.
فقالت أن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل خصوبتها كثيرا و هي تريد أن تري أحفادا لها من ابنها.. لا
أن تراه هو يطوف بزوجته علي الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل في الإنجاب منها.
و لم أجد ما أقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي , و أنتهت المقابلة و عدت إلي بيتي مكتئبهة.. و منذ تلك
اللحظة لم تهدأ والدة خطيبي حتي تم فسخ الخطبة بيني و بينه و أصابني ذلك بصدمه شديدة لأنني كنت قد أحببت
خطيبي و تعلقت بأمل السعادة معه.. لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة , و راح يعدني بأنه سيبذل كل
جهده لإقناع والدته بالموافقه علي زواجنا.. و استمر يتصل بي لمدة عام كامل دون أي جديد .. و وجدت أنني في
حاجة إلي وقفة مع النفس و مراجعة الموقف كله.. و انتهيت من ذلك إلي قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك و أن
أقطع هذه العلاقة نهائيا .. و فعلت ذلك و رفضت الرد علي اتصالات خطيبي السابق.
و مرت ستة أشهر عصيبة من حياتي.. ثم أتيحت لي فرصة السفر لأداء العمرة , فسافرت لكي أغسل أحزاني في
بيت الله الحرام .. و أديت مناسك العمرة .. و لذت بالبيت العتيق و بكيت طويلا و دعوت الله أن يهييء لي من أمري
رشدا , و في أحد الأيام كنت أصلي في الحرم و انتهيت من صلاتي و جلست أتأمل الحياة في سكون فوجدت سيدة
إلي جواري تقرأ في مصحفها بصوت جميل.. و سمعتها تردد الآية الكريمة و كان فضل الله عليك عظيما فوجدت دموعي
تسيل رغما عني بغزارة , و التفت إلي هذه السيدة و جذبتني إليها, و راحت تربت علي ظهري بحنان و هي تقرأ لي
سوره الضحي إلي أن بلغت الآية الكريمة و لسوف يعطيك ربك فترضي فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة في حياتي
مع أني قد رددتها مرارا من قبل في صلاتي.. و هدأت نفسي, وسألتني السيدة الطيبة عن سبب بكائي فرويت لها
كل شيء بلا حرج, فقالت إن الله قد يجعل بين كل عسرين يسرا, و أنني الآن في العسر الذي سوف يليه يسر بإذن
الله.. و أن ما حدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية نعمة خفية كما يقول العارفون , و شكرتها بشدة علي كلماتها
الطيبة و دعوت لها بالستر في الدنيا و في الاخرة , و غادرت الحرم عائدة إلي فندقي و أنا أحسن حالا و انتهت فترة
العمرة و جاء موعد الرحيل, و ركبت الطائرة عائدة إلي القاهرة فجاءت جلستي إلي جوار شاب هاديء الملامح و سمح
الوجه, وتبادلنا كلمات التعارف التقليدية.. فوجدتني أستريح إليه و اتصل الحديث بيننا طوال الرحلة إلي أن وصلنا إلي
القاهرة و انصرف كل منا إلي حال سبيله, و انهيت إجراءاتي في المطار , و خرجت فوجدت زوج أقرب صديقاتي إلي في
صالة الانتظار فهنأني بسلامة العودة و سألته عما جاء به للمطار فأجابني بأنه في انتظار صديق عائد علي نفس
الطائرة التي جئت بها. و لم تمض لحظات إلا و جاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري في مقاعد الطائرة و تبادلنا
التحية , ثم غادرت المكان بصحبة والدي.. وما أن وصلت إلي البيت و بدلت ملابسي و استرحت بعض الوقت حتي
وجدت زوج صديقتي يتصل بي و يقول لي أن صديقه معجب بي بشده و يرغب في أن يراني في بيت صديقتي في
نفس الليلة لأن خير البر عاجله , ثم يسهب بعد ذلك في مدح صديقه و الإشاده بفضائله و يقول لي عنه أنه رجل
أعمال شاب من أسرة معروفة و علي خلق و دين و لا يتمني لي من هو أفضل منه لكي يرشحه للارتباط بي.
و خفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة.. و استشرت أبي فيما قاله زوج صديقتي فشجعني على زيارة صديقتي
لعل الله جاعل لي فرجا.
و زرت صديقتي و زوجها و التقيت بجاري في الطائرة و استكملنا التعارف و تبادلنا الإعجاب.. و لم تمض أيام أخري حتي
كان قد تقدم لي.. و لم يمض شهر و نصف الشهر بعد هذا اللقاء حتي كنا قد تزوجنا و قلبي يخفق بالأمل في
السعادهة , و حديث السيدة الفاضلة في الحرم عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي . و بدأت حياتي الزوجية
متفائلة و سعيدة و وجدت في زوجي كل ما تمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب و حنان و كرم و بر
بأهله و أهلي , غير أن الشهور مضت و لم تظهر علي أية علامات للحمل, و شعرت بالقلق خاصة أنني كنت قد تجاوزت
السادسه و الثلاثين و طلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل و الفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب , فضمني إلي
صدره و قال لي بحنان غامر أنه لا يهمه من الدنيا سواي.. و أنه ليس مهتما بالإنجاب, لأنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم, لكني أصررت علي مطلبي.. و ذهبنا إلي طبيب كبير لأمراض النساء و طلب مني إجراء بعض التحاليل, و جاء
موعد تسلم نتيجه أول تحليل منها ففوجئت به يقول لي أنه لا داعي لإجراء بقيتها لأنه مبروك يامدام.. أنت حامل!
فلا تسل عن فرحتي و فرحة زوجي بهذا النبأ السعيد .. و غادرت عيادة الطبيب و أنا أشد علي يده شاكرة له بحرارة.
و في ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج , فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة و أداء
واجب الشكر لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة, و رفض زوجي ذلك بشدة و كذلك طبيبي المعالج لأنني في شهور
الحمل الأولي .. لكني أصررت علي مطلبي و قلت لهما أن من خلق هذا الجنين في أحشائي علي غير توقع قادر
علي أن يحفظه من كل سوء , و استجاب زوجي لرغبتي بعد استشاره الطبيب و اتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية و
سافرنا للحج و عدت و أنا أفضل مما كنت قبل السفر..
و مضت بقيه شهور الحمل في سلام و إن كنت قد عانيت معاناة زائدة بسبب كبر سني, و حرصت خلال الحمل علي
ألا أعرف نوع الجنين لأن كل ما يأتيني به ربي خير و فضل منه, و كلما شكوت لطبيبي من إحساسي بكبر حجم بطني
عن المعتاد فسره لي بأنه يرجع إلي تأخري في الحمل إلي سن السادسة و الثلاثين . ثم جاءت اللحظة السحرية
المنتظرة و تمت الولادة و بعد أن أفقت دخل علي الطبيب و سالني باسما عن نوع المولود الذي تمنيته لنفسي فأجبته
بأنني تمنيت من الله مولودا فقط و لا يهمني نوعه.. ففوجئت به يقول لي: إذن ما رأيك في أن يكون لديك الحسن و
الحسين و فاطمه !!
و لم أفهم شيئا و سألته عما يقصده بذلك فإذا به يقول لي و هو يطالبني بالهدوء و التحكم في أعصابي أن الله سبحانه
و تعالي قد من علي بثلاثه أطفال , و كان الله سبحانه و تعالي قد أراد لي أن أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة
منه بي لكبر سني , و أنه كان يعلم منذ فتره بأنني حامل في توءم لكنه لم يشأ أن يبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي
خلال شهور الحمل و يزداد خوفي. و لم أسمع بقية كلامه فلقد انفجرت في حالة هستيرية من الضحك و البكاء و ترديد
عبارات الحمد و الشكر لله.. و تذكرت سيدة الحرم الشريف.. و الآية الكريمة.. و لسوف يعطيك ربك فترضي.. و هتفت
أن الحمد لله.. الذي أرضاني و أسبغ علي أكثر مما حلمت به من نعمته.
أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال و عناءهم لكي يهون علي همي بأمري فلقد كاد يفقد رشده
حين رأي أطفاله الثلاثة و راح يهذي بكلمات الحمد و الشكر لذي الجلال و الإكرام حتي خشيت عليه من الانفعال. و
أصبح من هذه اللحظة لا يطيق أن يغيب نظره عنهم.
و إنني أكتب إليك رسالتي هذه من أحد الشواطيء , حيث نقضي إجازة سعيدة أنا وزوجي و أطفالي, و لكي أرجوك أن
توجه رسالتي هذه إلي كل فتاه تأخر بها سن الزواج أو سيدة تأخر عنها الإنجاب و تطالبهن بألا يقنطن من رحمة الله
أنت و قراء هذا الباب علي تجربتي مع الحياة . فأنا سيدة في الثامنة و الثلاثين من العمر نشأت في أسرة ميسورة
الحال و عشت في كنفها حياة هادئة إلي أن تخرجت في الجامعة .. و عقب التخرج إلتحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا
كبيرا .. و أحببت عملي كثيرا و أعطيته كل اهتمامي , و تقدمت فيه سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي . و كنت
خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي و اختياي , و بدأ الخطاب يتقدمون إلي , لكنني لم أجد في أحدهم
مايدفعني للارتباط به, ثم جرفني العمل و الانشغال به عن كل شيء آخر حتي بلغت سن الرابعة و الثلاثين و بدأت
أعاني النظرات المتسائله عن سبب عدم زواجي حتي هذه السن . و تقدم لي شاب من معارفنا يكبرني بعامين .. و
كان قد أقام عقب تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل .. و لم يحقق أي نجاح مادي , و كان بالنسبة لي
محدود الدخل, لكني تجاوزت عن هذه النقطة و رضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض كل ما يعجز هو
بإمكاناته المحدودة عنه.. و ستكون لنا حياة ميسورة بإذن الله. و قد ساعدني علي اتخاذ هذا القرار أنني كنت قد بدأت
أحبه .. و أنه قد أيقظ مارد الحب النائم في أعماقي و الذي شغلت عنه طيلة السنوات الماضية بطموحي في العمل ,
كما أنه كان من هؤلاء البشر الذين يجيدون حلو الكلام , و قد روي بكلامه العذب ظمأ حياتي . و بدأنا نعد لعقد القران و
طلب مني خطيبي صورة من بطاقتي الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران.. و لم أفهم في ذلك الوقت مدي
حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له.
و في اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي تليفونيا و تطلب مني بلهجة مقتضبة مقابلتها علي الفور.. و توجست خيفة
من لهجتها المتجهمة , و أسرعت إلي مقابلتها. فإذا بها تخرج لي صورة بطاقتي الشخصية و تسألني هل تاريخ ميلادي
المدون بها صحيح ؟ و أجبتها بالإيجاب و أنا أزداد توجسا و قلقا , ففوجئت بها تقول لي: إذن فإن عمرك يقترب الآن من
الأربعين .
و ابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض أن عمري34 عاما.
فقالت أن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل خصوبتها كثيرا و هي تريد أن تري أحفادا لها من ابنها.. لا
أن تراه هو يطوف بزوجته علي الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل في الإنجاب منها.
و لم أجد ما أقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي , و أنتهت المقابلة و عدت إلي بيتي مكتئبهة.. و منذ تلك
اللحظة لم تهدأ والدة خطيبي حتي تم فسخ الخطبة بيني و بينه و أصابني ذلك بصدمه شديدة لأنني كنت قد أحببت
خطيبي و تعلقت بأمل السعادة معه.. لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة , و راح يعدني بأنه سيبذل كل
جهده لإقناع والدته بالموافقه علي زواجنا.. و استمر يتصل بي لمدة عام كامل دون أي جديد .. و وجدت أنني في
حاجة إلي وقفة مع النفس و مراجعة الموقف كله.. و انتهيت من ذلك إلي قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك و أن
أقطع هذه العلاقة نهائيا .. و فعلت ذلك و رفضت الرد علي اتصالات خطيبي السابق.
و مرت ستة أشهر عصيبة من حياتي.. ثم أتيحت لي فرصة السفر لأداء العمرة , فسافرت لكي أغسل أحزاني في
بيت الله الحرام .. و أديت مناسك العمرة .. و لذت بالبيت العتيق و بكيت طويلا و دعوت الله أن يهييء لي من أمري
رشدا , و في أحد الأيام كنت أصلي في الحرم و انتهيت من صلاتي و جلست أتأمل الحياة في سكون فوجدت سيدة
إلي جواري تقرأ في مصحفها بصوت جميل.. و سمعتها تردد الآية الكريمة و كان فضل الله عليك عظيما فوجدت دموعي
تسيل رغما عني بغزارة , و التفت إلي هذه السيدة و جذبتني إليها, و راحت تربت علي ظهري بحنان و هي تقرأ لي
سوره الضحي إلي أن بلغت الآية الكريمة و لسوف يعطيك ربك فترضي فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة في حياتي
مع أني قد رددتها مرارا من قبل في صلاتي.. و هدأت نفسي, وسألتني السيدة الطيبة عن سبب بكائي فرويت لها
كل شيء بلا حرج, فقالت إن الله قد يجعل بين كل عسرين يسرا, و أنني الآن في العسر الذي سوف يليه يسر بإذن
الله.. و أن ما حدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية نعمة خفية كما يقول العارفون , و شكرتها بشدة علي كلماتها
الطيبة و دعوت لها بالستر في الدنيا و في الاخرة , و غادرت الحرم عائدة إلي فندقي و أنا أحسن حالا و انتهت فترة
العمرة و جاء موعد الرحيل, و ركبت الطائرة عائدة إلي القاهرة فجاءت جلستي إلي جوار شاب هاديء الملامح و سمح
الوجه, وتبادلنا كلمات التعارف التقليدية.. فوجدتني أستريح إليه و اتصل الحديث بيننا طوال الرحلة إلي أن وصلنا إلي
القاهرة و انصرف كل منا إلي حال سبيله, و انهيت إجراءاتي في المطار , و خرجت فوجدت زوج أقرب صديقاتي إلي في
صالة الانتظار فهنأني بسلامة العودة و سألته عما جاء به للمطار فأجابني بأنه في انتظار صديق عائد علي نفس
الطائرة التي جئت بها. و لم تمض لحظات إلا و جاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري في مقاعد الطائرة و تبادلنا
التحية , ثم غادرت المكان بصحبة والدي.. وما أن وصلت إلي البيت و بدلت ملابسي و استرحت بعض الوقت حتي
وجدت زوج صديقتي يتصل بي و يقول لي أن صديقه معجب بي بشده و يرغب في أن يراني في بيت صديقتي في
نفس الليلة لأن خير البر عاجله , ثم يسهب بعد ذلك في مدح صديقه و الإشاده بفضائله و يقول لي عنه أنه رجل
أعمال شاب من أسرة معروفة و علي خلق و دين و لا يتمني لي من هو أفضل منه لكي يرشحه للارتباط بي.
و خفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة.. و استشرت أبي فيما قاله زوج صديقتي فشجعني على زيارة صديقتي
لعل الله جاعل لي فرجا.
و زرت صديقتي و زوجها و التقيت بجاري في الطائرة و استكملنا التعارف و تبادلنا الإعجاب.. و لم تمض أيام أخري حتي
كان قد تقدم لي.. و لم يمض شهر و نصف الشهر بعد هذا اللقاء حتي كنا قد تزوجنا و قلبي يخفق بالأمل في
السعادهة , و حديث السيدة الفاضلة في الحرم عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي . و بدأت حياتي الزوجية
متفائلة و سعيدة و وجدت في زوجي كل ما تمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب و حنان و كرم و بر
بأهله و أهلي , غير أن الشهور مضت و لم تظهر علي أية علامات للحمل, و شعرت بالقلق خاصة أنني كنت قد تجاوزت
السادسه و الثلاثين و طلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل و الفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب , فضمني إلي
صدره و قال لي بحنان غامر أنه لا يهمه من الدنيا سواي.. و أنه ليس مهتما بالإنجاب, لأنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم, لكني أصررت علي مطلبي.. و ذهبنا إلي طبيب كبير لأمراض النساء و طلب مني إجراء بعض التحاليل, و جاء
موعد تسلم نتيجه أول تحليل منها ففوجئت به يقول لي أنه لا داعي لإجراء بقيتها لأنه مبروك يامدام.. أنت حامل!
فلا تسل عن فرحتي و فرحة زوجي بهذا النبأ السعيد .. و غادرت عيادة الطبيب و أنا أشد علي يده شاكرة له بحرارة.
و في ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج , فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة و أداء
واجب الشكر لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة, و رفض زوجي ذلك بشدة و كذلك طبيبي المعالج لأنني في شهور
الحمل الأولي .. لكني أصررت علي مطلبي و قلت لهما أن من خلق هذا الجنين في أحشائي علي غير توقع قادر
علي أن يحفظه من كل سوء , و استجاب زوجي لرغبتي بعد استشاره الطبيب و اتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية و
سافرنا للحج و عدت و أنا أفضل مما كنت قبل السفر..
و مضت بقيه شهور الحمل في سلام و إن كنت قد عانيت معاناة زائدة بسبب كبر سني, و حرصت خلال الحمل علي
ألا أعرف نوع الجنين لأن كل ما يأتيني به ربي خير و فضل منه, و كلما شكوت لطبيبي من إحساسي بكبر حجم بطني
عن المعتاد فسره لي بأنه يرجع إلي تأخري في الحمل إلي سن السادسة و الثلاثين . ثم جاءت اللحظة السحرية
المنتظرة و تمت الولادة و بعد أن أفقت دخل علي الطبيب و سالني باسما عن نوع المولود الذي تمنيته لنفسي فأجبته
بأنني تمنيت من الله مولودا فقط و لا يهمني نوعه.. ففوجئت به يقول لي: إذن ما رأيك في أن يكون لديك الحسن و
الحسين و فاطمه !!
و لم أفهم شيئا و سألته عما يقصده بذلك فإذا به يقول لي و هو يطالبني بالهدوء و التحكم في أعصابي أن الله سبحانه
و تعالي قد من علي بثلاثه أطفال , و كان الله سبحانه و تعالي قد أراد لي أن أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة
منه بي لكبر سني , و أنه كان يعلم منذ فتره بأنني حامل في توءم لكنه لم يشأ أن يبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي
خلال شهور الحمل و يزداد خوفي. و لم أسمع بقية كلامه فلقد انفجرت في حالة هستيرية من الضحك و البكاء و ترديد
عبارات الحمد و الشكر لله.. و تذكرت سيدة الحرم الشريف.. و الآية الكريمة.. و لسوف يعطيك ربك فترضي.. و هتفت
أن الحمد لله.. الذي أرضاني و أسبغ علي أكثر مما حلمت به من نعمته.
أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال و عناءهم لكي يهون علي همي بأمري فلقد كاد يفقد رشده
حين رأي أطفاله الثلاثة و راح يهذي بكلمات الحمد و الشكر لذي الجلال و الإكرام حتي خشيت عليه من الانفعال. و
أصبح من هذه اللحظة لا يطيق أن يغيب نظره عنهم.
و إنني أكتب إليك رسالتي هذه من أحد الشواطيء , حيث نقضي إجازة سعيدة أنا وزوجي و أطفالي, و لكي أرجوك أن
توجه رسالتي هذه إلي كل فتاه تأخر بها سن الزواج أو سيدة تأخر عنها الإنجاب و تطالبهن بألا يقنطن من رحمة الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.