الاثنين، 31 مارس 2014

القصة طويلة لكن و الله تستاهل القراءة

كنت قد انتويت أن أكتب لك منذ زمن بعيد‏,‏ لكن ظروفي حالت دون ذلك‏,‏ والآن فإني أشعر بأنه قد آن الأوان لكي أطلعك

أنت و قراء هذا الباب علي تجربتي مع الحياة .‏ فأنا سيدة في الثامنة و الثلاثين من العمر نشأت في أسرة ميسورة

الحال و عشت في كنفها حياة هادئة إلي أن تخرجت في الجامعة ‏..‏ و عقب التخرج إلتحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا

كبيرا‏ ..‏ و أحببت عملي كثيرا و أعطيته كل اهتمامي‏ ,‏ و تقدمت فيه سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي ‏.‏ و كنت

خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي و اختياي‏ ,‏ و بدأ الخطاب يتقدمون إلي ‏,‏ لكنني لم أجد في أحدهم

مايدفعني للارتباط به‏,‏ ثم جرفني العمل و الانشغال به عن كل شيء آخر حتي بلغت سن الرابعة و الثلاثين و بدأت

أعاني النظرات المتسائله عن سبب عدم زواجي حتي هذه السن‏ .‏ و تقدم لي شاب من معارفنا يكبرني بعامين‏ ..‏ و

كان قد أقام عقب تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل‏ ..‏ و لم يحقق أي نجاح مادي‏ ,‏ و كان بالنسبة لي

محدود الدخل‏,‏ لكني تجاوزت عن هذه النقطة و رضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض كل ما يعجز هو

بإمكاناته المحدودة عنه‏..‏ و ستكون لنا حياة ميسورة بإذن الله‏.‏ و قد ساعدني علي اتخاذ هذا القرار أنني كنت قد بدأت

أحبه ‏..‏ و أنه قد أيقظ مارد الحب النائم في أعماقي و الذي شغلت عنه طيلة السنوات الماضية بطموحي في العمل‏ ,‏

كما أنه كان من هؤلاء البشر الذين يجيدون حلو الكلام‏ ,‏ و قد روي بكلامه العذب ظمأ حياتي ‏.‏ و بدأنا نعد لعقد القران و

طلب مني خطيبي صورة من بطاقتي الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران‏..‏ و لم أفهم في ذلك الوقت مدي

حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له‏.‏

و في اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي تليفونيا و تطلب مني بلهجة مقتضبة مقابلتها علي الفور‏..‏ و توجست خيفة

من لهجتها المتجهمة ‏,‏ و أسرعت إلي مقابلتها‏.‏ فإذا بها تخرج لي صورة بطاقتي الشخصية و تسألني هل تاريخ ميلادي

المدون بها صحيح ؟ و أجبتها بالإيجاب و أنا أزداد توجسا و قلقا ‏,‏ ففوجئت بها تقول لي‏:‏ إذن فإن عمرك يقترب الآن من

الأربعين‏ .‏

و ابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض أن عمري‏34‏ عاما‏.‏

فقالت أن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل خصوبتها كثيرا و هي تريد أن تري أحفادا لها من ابنها‏..‏ لا

أن تراه هو يطوف بزوجته علي الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل في الإنجاب منها‏.‏

و لم أجد ما أقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي‏ ,‏ و أنتهت المقابلة و عدت إلي بيتي مكتئبهة..‏ و منذ تلك

اللحظة لم تهدأ والدة خطيبي حتي تم فسخ الخطبة بيني و بينه و أصابني ذلك بصدمه شديدة لأنني كنت قد أحببت

خطيبي و تعلقت بأمل السعادة معه‏..‏ لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة ,‏ و راح يعدني بأنه سيبذل كل

جهده لإقناع والدته بالموافقه علي زواجنا‏..‏ و استمر يتصل بي لمدة عام كامل دون أي جديد‏ ..‏ و وجدت أنني في

حاجة إلي وقفة مع النفس و مراجعة الموقف كله‏..‏ و انتهيت من ذلك إلي قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك و أن

أقطع هذه العلاقة نهائيا‏ ..‏ و فعلت ذلك و رفضت الرد علي اتصالات خطيبي السابق‏.‏

و مرت ستة أشهر عصيبة من حياتي‏..‏ ثم أتيحت لي فرصة السفر لأداء العمرة ,‏ فسافرت لكي أغسل أحزاني في

بيت الله الحرام‏ ..‏ و أديت مناسك العمرة ..‏ و لذت بالبيت العتيق و بكيت طويلا و دعوت الله أن يهييء لي من أمري

رشدا‏ ,‏ و في أحد الأيام كنت أصلي في الحرم و انتهيت من صلاتي و جلست أتأمل الحياة في سكون فوجدت سيدة

إلي جواري تقرأ في مصحفها بصوت جميل‏..‏ و سمعتها تردد الآية الكريمة و كان فضل الله عليك عظيما فوجدت دموعي

تسيل رغما عني بغزارة ‏,‏ و التفت إلي هذه السيدة و جذبتني إليها‏,‏ و راحت تربت علي ظهري بحنان و هي تقرأ لي

سوره الضحي إلي أن بلغت الآية الكريمة و لسوف يعطيك ربك فترضي فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة في حياتي

مع أني قد رددتها مرارا من قبل في صلاتي‏..‏ و هدأت نفسي‏,‏ وسألتني السيدة الطيبة عن سبب بكائي فرويت لها

كل شيء بلا حرج‏,‏ فقالت إن الله قد يجعل بين كل عسرين يسرا‏,‏ و أنني الآن في العسر الذي سوف يليه يسر بإذن

الله‏..‏ و أن ما حدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية نعمة خفية كما يقول العارفون ‏,‏ و شكرتها بشدة علي كلماتها

الطيبة و دعوت لها بالستر في الدنيا و في الاخرة ‏,‏ و غادرت الحرم عائدة إلي فندقي و أنا أحسن حالا و انتهت فترة

العمرة و جاء موعد الرحيل‏,‏ و ركبت الطائرة عائدة إلي القاهرة فجاءت جلستي إلي جوار شاب هاديء الملامح و سمح

الوجه‏,‏ وتبادلنا كلمات التعارف التقليدية‏..‏ فوجدتني أستريح إليه و اتصل الحديث بيننا طوال الرحلة إلي أن وصلنا إلي

القاهرة و انصرف كل منا إلي حال سبيله‏,‏ و انهيت إجراءاتي في المطار‏ ,‏ و خرجت فوجدت زوج أقرب صديقاتي إلي في

صالة الانتظار فهنأني بسلامة العودة و سألته عما جاء به للمطار فأجابني بأنه في انتظار صديق عائد علي نفس

الطائرة التي جئت بها‏.‏ و لم تمض لحظات إلا و جاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري في مقاعد الطائرة و تبادلنا

التحية ,‏ ثم غادرت المكان بصحبة والدي‏..‏ وما أن وصلت إلي البيت و بدلت ملابسي و استرحت بعض الوقت حتي

وجدت زوج صديقتي يتصل بي و يقول لي أن صديقه معجب بي بشده و يرغب في أن يراني في بيت صديقتي في

نفس الليلة لأن خير البر عاجله‏ ,‏ ثم يسهب بعد ذلك في مدح صديقه و الإشاده بفضائله و يقول لي عنه أنه رجل

أعمال شاب من أسرة معروفة و علي خلق و دين و لا يتمني لي من هو أفضل منه لكي يرشحه للارتباط بي‏.‏

و خفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة‏..‏ و استشرت أبي فيما قاله زوج صديقتي فشجعني على زيارة صديقتي

لعل الله جاعل لي فرجا‏.‏

و زرت صديقتي و زوجها و التقيت بجاري في الطائرة و استكملنا التعارف و تبادلنا الإعجاب‏..‏ و لم تمض أيام أخري حتي

كان قد تقدم لي‏..‏ و لم يمض شهر و نصف الشهر بعد هذا اللقاء حتي كنا قد تزوجنا و قلبي يخفق بالأمل في

السعادهة ,‏ و حديث السيدة الفاضلة في الحرم عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي ‏.‏ و بدأت حياتي الزوجية

متفائلة و سعيدة و وجدت في زوجي كل ما تمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب و حنان و كرم و بر

بأهله و أهلي ‏, ‏غير أن الشهور مضت و لم تظهر علي أية علامات للحمل‏,‏ و شعرت بالقلق خاصة أنني كنت قد تجاوزت

السادسه و الثلاثين و طلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل و الفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب ‏,‏ فضمني إلي

صدره و قال لي بحنان غامر أنه لا يهمه من الدنيا سواي‏..‏ و أنه ليس مهتما بالإنجاب‏,‏ لأنه لا يتحمل صخب الأطفال

وعناءهم‏,‏ لكني أصررت علي مطلبي‏..‏ و ذهبنا إلي طبيب كبير لأمراض النساء و طلب مني إجراء بعض التحاليل‏,‏ و جاء

موعد تسلم نتيجه أول تحليل منها ففوجئت به يقول لي أنه لا داعي لإجراء بقيتها لأنه مبروك يامدام‏..‏ أنت حامل‏!‏

فلا تسل عن فرحتي و فرحة زوجي بهذا النبأ السعيد‏ .. ‏و غادرت عيادة الطبيب و أنا أشد علي يده شاكرة له بحرارة‏.‏

و في ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج‏ ,‏ فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة و أداء

واجب الشكر لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة,‏ و رفض زوجي ذلك بشدة و كذلك طبيبي المعالج لأنني في شهور

الحمل الأولي ‏..‏ لكني أصررت علي مطلبي و قلت لهما أن من خلق هذا الجنين في أحشائي علي غير توقع قادر

علي أن يحفظه من كل سوء‏ ,‏ و استجاب زوجي لرغبتي بعد استشاره الطبيب و اتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية و

سافرنا للحج و عدت و أنا أفضل مما كنت قبل السفر‏..‏

و مضت بقيه شهور الحمل في سلام و إن كنت قد عانيت معاناة زائدة بسبب كبر سني‏,‏ و حرصت خلال الحمل علي

ألا أعرف نوع الجنين لأن كل ما يأتيني به ربي خير و فضل منه‏,‏ و كلما شكوت لطبيبي من إحساسي بكبر حجم بطني

عن المعتاد فسره لي بأنه يرجع إلي تأخري في الحمل إلي سن السادسة و الثلاثين‏ .‏ ثم جاءت اللحظة السحرية

المنتظرة و تمت الولادة و بعد أن أفقت دخل علي الطبيب و سالني باسما عن نوع المولود الذي تمنيته لنفسي فأجبته

بأنني تمنيت من الله مولودا فقط و لا يهمني نوعه‏..‏ ففوجئت به يقول لي‏:‏ إذن ما رأيك في أن يكون لديك الحسن و

الحسين و فاطمه ‏!‏!

و لم أفهم شيئا و سألته عما يقصده بذلك فإذا به يقول لي و هو يطالبني بالهدوء و التحكم في أعصابي أن الله سبحانه

و تعالي قد من علي بثلاثه أطفال‏ ,‏ و كان الله سبحانه و تعالي قد أراد لي أن أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة

منه بي لكبر سني‏ ,‏ و أنه كان يعلم منذ فتره بأنني حامل في توءم لكنه لم يشأ أن يبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي

خلال شهور الحمل و يزداد خوفي‏.‏ و لم أسمع بقية كلامه فلقد انفجرت في حالة هستيرية من الضحك و البكاء و ترديد

عبارات الحمد و الشكر لله‏..‏ و تذكرت سيدة الحرم الشريف‏..‏ و الآية الكريمة‏..‏ و لسوف يعطيك ربك فترضي‏..‏ و هتفت

أن الحمد لله‏..‏ الذي أرضاني و أسبغ علي أكثر مما حلمت به من نعمته‏.‏

أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال و عناءهم لكي يهون علي همي بأمري فلقد كاد يفقد رشده

حين رأي أطفاله الثلاثة و راح يهذي بكلمات الحمد و الشكر لذي الجلال و الإكرام حتي خشيت عليه من الانفعال‏.‏ و

أصبح من هذه اللحظة لا يطيق أن يغيب نظره عنهم‏.‏

و إنني أكتب إليك رسالتي هذه من أحد الشواطيء‏ ,‏ حيث نقضي إجازة سعيدة أنا وزوجي و أطفالي‏,‏ و لكي أرجوك أن

توجه رسالتي هذه إلي كل فتاه تأخر بها سن الزواج أو سيدة تأخر عنها الإنجاب و تطالبهن بألا يقنطن من رحمة الله‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.