الخميس، 23 يناير 2014

( عزة مسلم أمام جمع غفير من الفرس )



اراد الفرس من المسلمين ان يرسلوا لهم من يتفاوض معهم فاراد سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يرسل اليهم عشرة من دهاة العرب وهم : المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الواثلي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي وكان من دهاة العرب فجمعهم ثم قال لهم : " إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم ؟ "

فقالوا جميعا : " نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به "

فقال سعد : " هذا فعل الحزمة اذهبوا فتهيؤوا " .

فقال ربعي بن عامر : " إن الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم جميعا يروا أنا قد احتفلنا بهم فلا تزدهم على رجل " .

وكان زمن الصحابة ذاك - رغم الأمية - زمن يعرفون فيه قيمة كل شخص وقدراته فلما لمح منه حسن التصرف ودقة وزنه للأمور ولاّه الأمر فارسله الى الفرس وحده ، إذ طالما فطن الى عادات القوم فهو أقدر على التفاوض معهم وانزالهم لما هو في صالح المسلمين .

ذهب سيدنا ربعي رضي الله عنه وارضاه ، و باطنه ملآن عامر وظاهره متقشف خشن ، فقد امتلأ ايمانا وزهدا واخلاصا ، و ترسه من اديم البقر و تقلد السيف وله غمد من قماش خلق ورمح وقوس بنبل وعلى رأسه مشدودة عمامة وله ضفائر اربع مرفوعة كأنها قرون وعل يمتطي فرسا قصيرة غير فارهة

في حين ان رستم قائد الفرس عليه زينته ويجلس على سرير من ذهب والارض مفروشة بالبسط والنمارق و قد اعدواالبهرجة في كل مكان عن قصد ، ظناً منهم ان ذلك يؤثر في البدو الذي ما رأى ذلك قط ، فمشى سيدنا ربعي رضي الله عنه يهيئته تلك راكبا فرسه يشق طريقه بين صفوف الجند الفرس وحرس القائد وهم ينظرون الى بزته وعدته وملبسه وسلاحه وهو غير عابيء بكل مظاهر الترف والثراء حوله فلما وصل قالوا له : انزل عن فرسك ... فلم يحفل لهم وهمز فرسه فسارت على البساط ثم نزل عنها وربطها بوسادتين من وسائد الحرير المنسوج من الذهب ثم شقهما فادخل الحبل فيها

كل ذلك والقوم ينظرون في تعجب وغيظ فلم يكلمه احد ، ثم تقدم منه احدهم فقال له : " ضع سلاحك ."

فقال : إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت

فاخبروا رستم فقال دعوه ، فانما هو رجل واحد فاقبل يتوكأ على على نصل رمحه و يقارب الخطو و يخرق لهم النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقة ولا بساطا إلا أفسده وتركه منهتكا مخرقا فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا : ما حملك على هذا ؟ ( اي لم تجلس على الارض )

قال : إنّا لا نستحب القعود على زينتكم هذه .

ثم بدأ الحوار التاريخي الماجد الذي لا يمل التاريخ من سطره انجما تضيء سماء عز أمتنا جيلا بعد جيل

سأله رستم : " لم جئتم الينا ؟"

فقال ربعي رضي الله عنه : " ان الله ابتعثنا وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله

فقال رستم : "وماموعود الله ؟ "

قال : " الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي "

فقال رستم: " قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا "

قال : " نعم كم أحب إليكم أيوما أو يومين "

قال : " لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا ثم اراد رستم فقال إنن يقرّب ربعيا منه ويليّن له الحديث لعلع يستميله لعله يركن اليه او على الاقل يرجع الى المسلمين بوجه غير الذي جاء به .

فأبى سيدنا ربعي ذلك وفطن الى رستم وقال له :"ان مما سنّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثا فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل اختر الإسلام وندعك وأرضك أو الجزاء فنقبل ونكف عنك وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه وإن كنت إليه محتاجا منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى "

قال رستم متعجبا : " أسيدهم أنت قال لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم "

فخلى رستم برؤساء أهل فارس فقال : "ما ترون ؟ هل رأيتم كلاما قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل ! ؟ "

فقالوا له : "اياك أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب أما ترى إلى ثيابه !؟ "

فقال لهم وقد كان اكثرهم حكمة : " ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة فان العرب يستخفون باللباس والمأكل و يصونون الأحساب ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون "

فانكر القوم من قائدهم ذلك وظنوا به الظنون ، ثم تقدموا الى ربعي وتناولوا سلاحه وجعلوا يزهدونه فيه .

فقال لهم ربعي : هلاّ نظرتم ؟

ثم عمد الى استعراض صغير اراهم فيه مدى مهارته في استخدام سلاحه والتحصن بردعه فيما هم لم يفلحوا في ذلك .. ثم قال لهم : " يا أهل فارس إنك عظمتم الطعام واللباس والشراب وإنا صغرناهن ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل . وانصرف

فلما كان بالغد طلبوا من يسدنا سعد بن ابي وقاص ان يرسل اليهم ربعيا فارسل اليهم حذيفة بن محصن ظن فكان على هيئة ربعي وصنع بهم كما صنع و قالوا له كما قالوا له ، فلما وصل الى رستم قال له : اين صاحبنا الذي كان بالأمس ؟

قال : ام اميرنا يحب ان يعدل بيننا في الرخاء والشدة فهذه نوبتي .

ثم سأله رستم كما سأل ربعي فرد كما ربعي فما زاد ولا نقص ثم طلب منه ان يمهلوه فقال له : بل ثلاثة ايام من يوم امس .. ثم طلبوا أن يرسلوا اليهم آخر ، فارسل اليهم المغيرة بن شعبة ففعل كما فعل صاحبيه وزاد على ذلك ان جلس على سرير رستم واتكأ على وسادته ، فوثبوا عليه وانزلوه وحقروه فلم يغضب لما فعلوا به ، فقد اراد بفعله هذا أمرا ، فقال لهم : قد كانت تبلغنا عنكم الاحلام فلم نرى اسفه منكم . ثم اردف مشيرا الى مافعلوه حين جلس على السرير " وانّا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضا الا ان يكون محاربا لصاحبه فظننت انكم تواسون قومكم كما نتواسى ، وكان احسن من الذي صنعتم ان تخبروني ان بعضكم ارباب بعض - اي ان بعضكم يستعبد البعض - ان هذا الامر لا يستقيم فيكم فلا نصنصعه وانا لم آتكم ولكنكم دعوتموني ، اليوم علمت ان ريحكم ذاهبة وانكم مغلوبون وان ملكا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول .

فكانت كلماته صفعة مدوية ألّبت قلوب ضعفائهم على ساداتهم حقدا وضغينة ورغبة في الحرية والمساواة

وعودة الى قائدنا الصحابي الجليل ربعي بن عامر فمن كلماته لتحفيز الجند انه قال : وقف ربعي بن عامر ليحرض الناس على القتال فقال: إن الله هداكم للإسلام وجمعكم به وأراكم الزيادة وفي الصبر الراحة فعودوا أنفسكم الصبر تعتادوه ولا تعودوها الجزع فتعتادوه

ثم خاضوا غمار القادسية فسجلوا نصرا خالدا اطاح بحضارة فارس ليبنوا حضارة السماء حضارة تلحظها العناية وتظلها العدالة ، عدالة خير أديان السماء ، ينشرها صحابة خير رسل السماء ، وهم رجال كربعي بن عامر

فمتى يا أمتي تعودي فتنجبي لنا كأمثال هؤلاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.