ماذا بالنسبة لفلسطين؟ حوار بين (س) و (ص)
ص: وماذا بالنسبة لفلسطين؟
س: ماذا؟
ص. لا يوجد أفق.
س. صحيح. ولكن أضف لذلك عبارة: لا يوجد افق للنهج الحالي.
ص. تقصد الدولتين؟
س. أقصد المسار كله. وصل الى حالة انسداد، وبلغتك أفق مسدود.
ص. ماذا نفعل؟ لا بد من طرح جديد.
س. فعلنا ذلك في الماضي. قلنا يجب طرح إسرائيل كحالة "فصل عنصري كولونيالي"، والتوقف عن التصرف كشبه دولة في الضفة وغزة. ولم يستمعوا لنا. المسألة ليست قضية صحة البرنامج الحاجة لطرح جديد فحسب، بل سيكون على اي أفكار جديدة أن تصارع ثقافة كاملة، وعصبيات تنظيمية، وروتين الحياة اليومية في ظل السلطتين، ومصادر العيش في وظائف سلطتين في الضفة وغزة، والأهم من هذا كله تنسيق أمني مع إسرائيل... وغيرها. وهذا كل ما نجح نهج أوسلو في تحقيقه: ثقافة شبه دولة فاقدة السيادة تقلد لغة المحتل لكي يقبلها الغرب، فيزيده هذا استهانة بها. سيكون علينا أن نواجه ثقافة كاملة نشأت في هذه الأثناء. ولا أدري من أين نستجمع قوانا.
ص. ماذا بك؟ يئست؟ ألم تقل أنها أعدل قضية؟ كنا تقول ان الشعوب العربية والشعب الفلسطيني هي الضمانة. وما أدراك ربما لا نحتاج ان نستجمع قوانا، قد يوصل المأزق وحده الى الانفجار وعندها سيكون علينا ان نكون جاهزين بطروحاتنا.
س. لا لم أيأس. وعلينا أن نعيد طرح المشروع الوطني الفلسطيني. لنذكر أنفسنا ما هو؟ ما هو المشروع الوطني الفلسطيني الآن؟ فقط أقول لك أن الوضع صعب. الناس تعيش في أوهام الانتصارات على إسرائيل. الانجازات الصغيرة حولناها الى انتصارات. وإسرائيل تتصرف وكأنه لا يوجد غيرها في المنطقة. سيحتاج النهوض إلى عزيمة كالحديد، وإلى ثقة لا تتزعزع بعدالة قضيتنا. ومعك حق أملي بالشباب العربي والفلسطيني الذي لم ترضه رمزية إزاحة نصب فلسطين في بيت لحم لمجرد الاستعداد لزيارة سياحية لرئيسٍ أميركيٍ أبلغنا عمليا ونظريا أنه يتبنى حتى فكر الصهيونية ضدنا، وأنا أعتقد أن خطابه السياسي غير مسبوق في صهيونيته، أملي في الشباب العربي الذي ضاق ذرعا بالوعد بإعادة النظر بمبادرة السلام العربية في كل مؤتمر قمة منذ حرب غزة عام 2009، والذي ضاق ذرعا بتمسك السلطة الفلسطينية بنهج التفاوض والتنسيق الأمني مع إسرائيل.
ص. ماذا نفعل في هذه الأثناء؟ ما العمل؟
س. سؤالك من نوع أسئلة الأزمات التي لا يتبعها عادة جواب مقنع. وبدل الإجابة بمعادلة سحرية سوف أوضح لك المهمات: أولا نعمل على كل قضية تفصيلية مهما كبر أو صغر شأنها. وننشيء لكل قضية تحالفاتها وإعلامها واتصالاتها الدولية: نواجه الاستيطان، ونواجه تهويد القدس، ونواجه التمييز العنصري ضد العرب في الداخل، ونواجه محاولات التخلي عن حق العودة، ونعمل على الحياة الإنسانية للاجئين في الدول العربية، ونعمل على المستوى العالمي في التعريف بالقضية الفلسطنينية وعدالتها، ونثقف الشباب العربي، وشبابنا الفلسطيني في كل مكان على عدالة قضية فلسطين وأسسها التاريخية ومركزيتها القومية، ونعمل على بناء مجتمعاتنا الفلسطينية: تعليم، صحة، اقتصاد، خدمات، مؤسسات في كل مكان، وذلك بوعي وطني لتكون قادره على الصمود والاستمرار، فنحن لا نريد أن نندثر كجماعة وطنية ونحن ننتظر.
ص. هذا كثير. كيف نقوم بكل هذا.
س. بالعكس قليل. فلن نقوم به انت وانا، بل كل في موقعه. كل فلسطيني يجب أن يعود للمشاركة وفعل شيء بدل مراقبة الخلافات والتصالحات بين حماس وفتح (والتي أصبحت تشبه "عملية السلام") هذا اقل ما يمكننا عمله. وهو كثير. تخيل لو عاد كل فلسطيني للعب دور بوعي وطني، وأي قوة عظيمة هذه التي سوف تنشأ. هذا يعني أن لكل إنسان دور في موقعه حتى تصطدم البنى الفاشلة كلها بواقع فشلها، وتنضج الظروف لتبني مشروع شامل جديد. لقد فشل طريق التفاوض تماما، وذلك ليس بمنطقي انا، فقد كنت معارضا له منذ البداية. لقد فشل بمنطق من نظّر له. فما هو العائق حاليا أمام تطوير المعركة ضد الاستيطان، أليست بنى السلطة القائمة وأجهزتها التي فشلت أفكارها وسياستها وظلت واقعا قائما، وهل السلطة أفكار، وحجج فكرية أما وقائع صلبة؟ المشروع الشامل يا عزيزي لا يطرح كفكرة في ندوة أو مؤتمر. هذا عمل سهل قمنا به، ويمكننا القيام به غدا مرة أخرى. المشكلة هي ما تقوم به الصهيونية يوميا في كل مكان ... والمشكلة هي بنى ما بعد أوسلو التي تحوّل كل طرح جديد إلى رفاهية فكرية يقوم بها مثقفون، وكل ندوة لا بد أن تنفض في النهاية ويعود المشاركون إلى حياتهم، ويكتشفون أن الأمور تجري في مجاريها. المسألة ليست فقط طرح فكرة. كلنا يعرف ما هي العدالة والحل العادل. وإسرائيل نسفت ما يسمى ب"حل الدولتين"، و ثمة تناقض أصلا بين حل الدولتين وممارسة حق العودة، ولهذا تخلى كثيرون في النهاية عن حق العودة لصالح حل الدولتين، ولكنهم لم يحصلوا على شيء. وها نحن نخسر القدس بالتدريج. وصارت اميركا تطالبنا بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. لا يجوز انتظار الإجابات التي تحمل معادلات سحرية، في حين تبني إسرائيل المستوطنات، وتخلق وقائع على الأرض محليا وفي السياسة الدولية دوليا.
ص. ما تقوله يحتاج الى تفعيل عشرات بل مئات المؤسسات والتنظيمات والشبكات التي تنسق فيما بينها.
س. أنا لا اتحدث هنا فقط عن جمعيات، أو ما يسمى بمنظمات غير حكومية، بل عن هيئات نضالية، سواء أكانت جبهات أو لجان أو تحالفات جمعيات أو منظمات غير حكومية أو غيرها. بعضها قائم، فثمة قوى وأحزاب ومؤسسات قائمة وتقوم الآن بدور نضالي في موقعها، وإلا فكيف يصمد عرب الداخل على هويتهم العربية الفلسطينية ويشكلون مشكلة للصهيونية؟ هنالك من عمل على ذلك. وكيف يصمد أهل الخليل في ظروفهم الصعبة؟ هنالك من عمل ويعمل على ذلك. وغيرهم كثير. وبعضها يجب أن يقوم. المهم ان يقوم كل بواجبه في مكانه، وأن تثقف كل مؤسسة ولجنة نشطاءها على تاريخ وعدالة القضية الفلسطينية، وعن فشل المفاوضات، وأن لا تقدم أي تنازلات سياسية للصهيونية. يجب ان نقنع كل فلسطيني أن له دور، وأن انتظار حل الخلافات بين الفصائل أو انتظار المفاوضات هو لا-فعل محبط ولا-جهد عقيم. لكل شاب الفلسطيني ولكل فتاة فلسطينية دور، وعلى الجميع أن يعود إلى العمل في قضيته، ولا يحتاج أن يبحث كثيرا عما يفعل. فالمهام عينية وبانتظاره، وسوف يجدها أمامه.
ص: وماذا بالنسبة لفلسطين؟
س: ماذا؟
ص. لا يوجد أفق.
س. صحيح. ولكن أضف لذلك عبارة: لا يوجد افق للنهج الحالي.
ص. تقصد الدولتين؟
س. أقصد المسار كله. وصل الى حالة انسداد، وبلغتك أفق مسدود.
ص. ماذا نفعل؟ لا بد من طرح جديد.
س. فعلنا ذلك في الماضي. قلنا يجب طرح إسرائيل كحالة "فصل عنصري كولونيالي"، والتوقف عن التصرف كشبه دولة في الضفة وغزة. ولم يستمعوا لنا. المسألة ليست قضية صحة البرنامج الحاجة لطرح جديد فحسب، بل سيكون على اي أفكار جديدة أن تصارع ثقافة كاملة، وعصبيات تنظيمية، وروتين الحياة اليومية في ظل السلطتين، ومصادر العيش في وظائف سلطتين في الضفة وغزة، والأهم من هذا كله تنسيق أمني مع إسرائيل... وغيرها. وهذا كل ما نجح نهج أوسلو في تحقيقه: ثقافة شبه دولة فاقدة السيادة تقلد لغة المحتل لكي يقبلها الغرب، فيزيده هذا استهانة بها. سيكون علينا أن نواجه ثقافة كاملة نشأت في هذه الأثناء. ولا أدري من أين نستجمع قوانا.
ص. ماذا بك؟ يئست؟ ألم تقل أنها أعدل قضية؟ كنا تقول ان الشعوب العربية والشعب الفلسطيني هي الضمانة. وما أدراك ربما لا نحتاج ان نستجمع قوانا، قد يوصل المأزق وحده الى الانفجار وعندها سيكون علينا ان نكون جاهزين بطروحاتنا.
س. لا لم أيأس. وعلينا أن نعيد طرح المشروع الوطني الفلسطيني. لنذكر أنفسنا ما هو؟ ما هو المشروع الوطني الفلسطيني الآن؟ فقط أقول لك أن الوضع صعب. الناس تعيش في أوهام الانتصارات على إسرائيل. الانجازات الصغيرة حولناها الى انتصارات. وإسرائيل تتصرف وكأنه لا يوجد غيرها في المنطقة. سيحتاج النهوض إلى عزيمة كالحديد، وإلى ثقة لا تتزعزع بعدالة قضيتنا. ومعك حق أملي بالشباب العربي والفلسطيني الذي لم ترضه رمزية إزاحة نصب فلسطين في بيت لحم لمجرد الاستعداد لزيارة سياحية لرئيسٍ أميركيٍ أبلغنا عمليا ونظريا أنه يتبنى حتى فكر الصهيونية ضدنا، وأنا أعتقد أن خطابه السياسي غير مسبوق في صهيونيته، أملي في الشباب العربي الذي ضاق ذرعا بالوعد بإعادة النظر بمبادرة السلام العربية في كل مؤتمر قمة منذ حرب غزة عام 2009، والذي ضاق ذرعا بتمسك السلطة الفلسطينية بنهج التفاوض والتنسيق الأمني مع إسرائيل.
ص. ماذا نفعل في هذه الأثناء؟ ما العمل؟
س. سؤالك من نوع أسئلة الأزمات التي لا يتبعها عادة جواب مقنع. وبدل الإجابة بمعادلة سحرية سوف أوضح لك المهمات: أولا نعمل على كل قضية تفصيلية مهما كبر أو صغر شأنها. وننشيء لكل قضية تحالفاتها وإعلامها واتصالاتها الدولية: نواجه الاستيطان، ونواجه تهويد القدس، ونواجه التمييز العنصري ضد العرب في الداخل، ونواجه محاولات التخلي عن حق العودة، ونعمل على الحياة الإنسانية للاجئين في الدول العربية، ونعمل على المستوى العالمي في التعريف بالقضية الفلسطنينية وعدالتها، ونثقف الشباب العربي، وشبابنا الفلسطيني في كل مكان على عدالة قضية فلسطين وأسسها التاريخية ومركزيتها القومية، ونعمل على بناء مجتمعاتنا الفلسطينية: تعليم، صحة، اقتصاد، خدمات، مؤسسات في كل مكان، وذلك بوعي وطني لتكون قادره على الصمود والاستمرار، فنحن لا نريد أن نندثر كجماعة وطنية ونحن ننتظر.
ص. هذا كثير. كيف نقوم بكل هذا.
س. بالعكس قليل. فلن نقوم به انت وانا، بل كل في موقعه. كل فلسطيني يجب أن يعود للمشاركة وفعل شيء بدل مراقبة الخلافات والتصالحات بين حماس وفتح (والتي أصبحت تشبه "عملية السلام") هذا اقل ما يمكننا عمله. وهو كثير. تخيل لو عاد كل فلسطيني للعب دور بوعي وطني، وأي قوة عظيمة هذه التي سوف تنشأ. هذا يعني أن لكل إنسان دور في موقعه حتى تصطدم البنى الفاشلة كلها بواقع فشلها، وتنضج الظروف لتبني مشروع شامل جديد. لقد فشل طريق التفاوض تماما، وذلك ليس بمنطقي انا، فقد كنت معارضا له منذ البداية. لقد فشل بمنطق من نظّر له. فما هو العائق حاليا أمام تطوير المعركة ضد الاستيطان، أليست بنى السلطة القائمة وأجهزتها التي فشلت أفكارها وسياستها وظلت واقعا قائما، وهل السلطة أفكار، وحجج فكرية أما وقائع صلبة؟ المشروع الشامل يا عزيزي لا يطرح كفكرة في ندوة أو مؤتمر. هذا عمل سهل قمنا به، ويمكننا القيام به غدا مرة أخرى. المشكلة هي ما تقوم به الصهيونية يوميا في كل مكان ... والمشكلة هي بنى ما بعد أوسلو التي تحوّل كل طرح جديد إلى رفاهية فكرية يقوم بها مثقفون، وكل ندوة لا بد أن تنفض في النهاية ويعود المشاركون إلى حياتهم، ويكتشفون أن الأمور تجري في مجاريها. المسألة ليست فقط طرح فكرة. كلنا يعرف ما هي العدالة والحل العادل. وإسرائيل نسفت ما يسمى ب"حل الدولتين"، و ثمة تناقض أصلا بين حل الدولتين وممارسة حق العودة، ولهذا تخلى كثيرون في النهاية عن حق العودة لصالح حل الدولتين، ولكنهم لم يحصلوا على شيء. وها نحن نخسر القدس بالتدريج. وصارت اميركا تطالبنا بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. لا يجوز انتظار الإجابات التي تحمل معادلات سحرية، في حين تبني إسرائيل المستوطنات، وتخلق وقائع على الأرض محليا وفي السياسة الدولية دوليا.
ص. ما تقوله يحتاج الى تفعيل عشرات بل مئات المؤسسات والتنظيمات والشبكات التي تنسق فيما بينها.
س. أنا لا اتحدث هنا فقط عن جمعيات، أو ما يسمى بمنظمات غير حكومية، بل عن هيئات نضالية، سواء أكانت جبهات أو لجان أو تحالفات جمعيات أو منظمات غير حكومية أو غيرها. بعضها قائم، فثمة قوى وأحزاب ومؤسسات قائمة وتقوم الآن بدور نضالي في موقعها، وإلا فكيف يصمد عرب الداخل على هويتهم العربية الفلسطينية ويشكلون مشكلة للصهيونية؟ هنالك من عمل على ذلك. وكيف يصمد أهل الخليل في ظروفهم الصعبة؟ هنالك من عمل ويعمل على ذلك. وغيرهم كثير. وبعضها يجب أن يقوم. المهم ان يقوم كل بواجبه في مكانه، وأن تثقف كل مؤسسة ولجنة نشطاءها على تاريخ وعدالة القضية الفلسطينية، وعن فشل المفاوضات، وأن لا تقدم أي تنازلات سياسية للصهيونية. يجب ان نقنع كل فلسطيني أن له دور، وأن انتظار حل الخلافات بين الفصائل أو انتظار المفاوضات هو لا-فعل محبط ولا-جهد عقيم. لكل شاب الفلسطيني ولكل فتاة فلسطينية دور، وعلى الجميع أن يعود إلى العمل في قضيته، ولا يحتاج أن يبحث كثيرا عما يفعل. فالمهام عينية وبانتظاره، وسوف يجدها أمامه.
**عزمي بشارة**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.