_______________________
كان عبّاس بن ناصح ، الشّاعر الأندلسي ، لا يَقْدم من المشرق قادمٌ إلا سأله عمَّن نَجَمَ هناك في الشّعر ، حتّى أتاه رجلٌ من التّجار فأعلمه بظهور أبي نواس ، و أنشده من شعره قصيدتين ؛ إحداهما قوله : جَرَيْتُ مع الصِّبا طَلـْقَ الجُمُوحِ
و الثّانية : أما ترى الشمس حَلـَّت الحَمَلا .
فقال عباس : هذا أَشْعَرُ الجّن و الإنس ! . و اللّه لا حَبَسَني عنه حابس !! . فتجهَّز إلى المشرق ، فلما حلَّ بغداد نزل منزِلة المسافرين ، ثمّ سأل عن منزل أبي نواس ، فأُرشـِد إليه ، فإذا بقصر على بابه الخـُدَّام ، فدخل مع الداخلين ، و وجد أبا نواس جالسًا في مقعد نبيلٍ ، و حولَه أكثرُ متأدّبي بغداد ، يجري بينهم التمثّل و الكلام في المعاني . فسلّم عبّاس و جلس حيث انتهى به المجلس ، و هو في هيئة السّفر . فلمّا كادَ المجلس ينقضي ، قال له أبو نوّاس : مَن الرجل ؟ قال : باغي أدب . قال: أهلاً وسهلاً . من أين تكون ؟ قال : من المغرب الأقصى . و انتسب له إلى قرطبة . فقال له : أَتَرْوي من شعر أبي المخشيّ شيئًا ؟ قال: نعم . قال : فأنشِدني ، فأنشده شعره في العمى . فقال أبو نواس : هذا الذي طَلَبَتْه الشّعراء فَأَضَلَّتْه . أنشـِدني لأبي الأجرب ! ، فأنشدهُ ! . ثمّ قال : أنشدني لبكْر الكنانيّ ، فأنشده !! . ثمّ قال أبو نوّاس :
شاعر البلد اليوم عبّاسُ بن ناصح ؟ قالَ عبّاس : نعم !! ، قال : فأنشِدني له . فأنشدهُ :
فَأَدْتُ القَريض و مَنْ ذا فَأَدْ
فقال أبو نواس : أنتَ عباس ؟ فقال: نعم ! ، فنهضَ أبو نوّاس إليه فاعتنقه إلى نفسه ، و انحرف لهُ عن مجلسه . فقال له مَن حضَر المجلس : من أين عرفَته أصلحكَ اللّه ؟ ، قال أبو نوّاس :
إنّي تأمّلته عند إنشاده لغيره ، فرأيته لا يُبالي ما حدّثَ في الشّعر من استحسان أو استقباح . فلمّا أنشدني لنفسه استَبَنْتُ عليه وَجْمَةً ، فقلتُ : إنّه صاحبُ الشِّعر !! .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.