إنهُ ( عنترة بن شدّاد العبسي ) شاعر الحُب و الحرب فارس الفُرسان في عصره و
صاحب الأخلاق المُثلى في قديم الزمان و حديثه ، والمتمرد على التمييز
العنصري الذي واجهه في مجتمعه ..
شخصية عنترة هي شخصية تاريخية سُطرت حروفها بـ الذهب لـ تبقى خالدة في أذهان و قلوب الناس ، شخصية مزجت بين الشجاعة و الفروسية و الحُب مِزاجاً رائعاً ..
نشأ ( عنترة العبسي ) من أب عربي هو ( عمرو بن شدّاد العبسي ) و كان سيداً من سادات قبيلته و من أشراف القوم و أعلاهم نسباً ، و من أم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية و تُدعى ( زبيبة ) كان أبوه قد سباها في إحدى غزواته .. ذاق في صباه ذُل العبودية و الحرمان و شظف العيش و المهانة لأن أباه لم يستلحقه بـ نسبه ، فتاقت روحه إلى الحُرية و الإنعتاق ..
رفض أبوه الإعتراف به فأتخذ مكانه بين طبقة العبيد في القبيلة خضوعاً لـ تقاليد المُجتمع الجاهلي التي تقضي بـ إقصاء أولاد الإماء عن سلسلة النسب الذهبية التي كان العرب يحرصون على أن يظل لها نقاؤها و على أن يكون جميع أفرادها ممن يجمعون الشرف من كِلا طرفيه ( الأمهات + الآبآء ) إلا إذا أبدى أحد هؤلاء الهجناء إمتيازاً أو نجابة فإن المُجتمع الجاهلي لم يكُن يرى في هذه الحالة ما يمنع من إلحاقه بـ أبيه ..
غير أن فارسنا عرف كيف يكون من صناديد الحرب و الهيجاء ، يذود عن الأرض و يحمي العرض و يعف عند المغنم ، فقد اشترى حُريته بـ سيفه و يراعه ( لسانه ) الشعري و أثبت أن الإنسان صانع نفسه و صاحب مصيره بغض النظر عن أصله و فصله و جنسه و لونه و شكله ..
وَمَا عَابَ الزَّمانُ عَلَيَّ لَونِي .. وَ لاَ حطَّ السَّوادُ رفيعُ قدري
إذا ذُكِرَ الفَخارُ بِأرض ِ قومٍ .. فَضربُ السيفِ في الهَيجاءِ فَخري
سَمَوتُ إلى العُلاَ وَ عَلوتُ حَتّى .. رَأيتُ النجمَ تَحتي وَ هوَ يجري
و قوماً آخرينَ سَعوا وَ عَادَ .. حَيَارى مَا رأوا أثّراً لأثري
و يقولُ أيضاً :
سوادي بياضٌ حين تبدو شمائلي .. و فعلي على الأنساب يزهو و يفخر
إن كان أمر الله أمراً يُقدر .. فكيف يمر المرء منهُ و يحذر
كان من أشهر الفُرسان و أبعدهم صيتاً و أسيدهم ذِكراً و شيمةً و عزة نفس ووفاء للعهد ، و إنجاز للوعد وهي الأخلاق المُثلى في قديم الزمان و حديثه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مُعجباً بـ ( عنترة ) لـ أخلاقه و سماحته و عفّته و ترفعه عن كُل دنيء فقد روي أنهُ قال : [[ ما وصف لي شاب أعرابي و أحببت ان أراه إلا عنترة ]] ..
لَئِن أكُ أسوداً فـَ المِسكُ لَوني .. وَ مَا لِسوادِ جلدي مِن دواءِ
وَ لَكِن تبعُدُ الفَحشاءُ عَنَّي .. كَبُعدِ الأرضِ عَن جَوَّ السّماءِ
قصة عشقه لعبلة..
اشتهر ( عنترة ) بـ قصّة حُبه لـ إبنة عمّه ( عبلة ) و التي كانت من أجمل نساء قومها في نظارة الصبا ، و شرف الأرومة ، بينما كان هو إبن جارية فلحاء ، أسود البشرة ..
وَلولاَ فَتاةٌ في الخيام مُقيمةً .. لما اخَتْرتُ قُربَ الدَّار يوماً على البُعدِ
مُهفْهَفةً و السَّحرُ مِنْ لحظاتها .. إذا كلّمْت ميتاً يَقومُ مِنْ اللَّحدِ
و أشارت إليها الشَّمْسُ عِندَ غُروبِها .. تقولُ : إذا اسوَّ الدجى فاطْلعي بعدِ
وَ قَالَ لها البدرُ المُنيرُ ألاَ اسْفري .. فإنَكِ مثلي في الكَمالِ و في السَّعْدِ
سُرعان ما نشأ الحُب في قلب ( عنترة ) لإبنة عمّه ( عبلة ) و صادف أن أحبتهُ هي الأخرى و بلغ بهما الشوق مبلغه فصارا عاشقين ..
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جآزَ المَدى .. وَ أنا المُعنَّى فيكِ منْ دون الورى
يا عَبلَ حُبَّكِ في عظامي مَعَ دمي .. لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرى
تقدّم ( عنترة ) إلى عمّه يخطب إليه إبنته لكن لون بشرته السوداء و نسبه وقف مرّة أخرى في طريقه ، فقد رفض ( مالِك ) أن يزوج إبنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي ، و أبى كبرياؤه أن يرضى بعبد أسود ــ مهما تكن شجاعته و فروسيته زوجاً لإبنته العربية الحُرة ، النقية الدم ، الخالصة النسب ..
و حتّى يصرفه عنها و يُشعره بقلة الحيلة و العجز عن دفع مهرها ، طلب منه ان يدفع لها مهراً ألف ناقة حمراء من نوق الملك ( نعمان ) المعروف بـ العصافير ، و لم ييأس ( عنترة ) المُحب الواثق من قدرته على سداد مهر حبيبته و مُهجة قلبه ( عبلة ) ، فخرج في طلب عصافير ( النعمان ) حتّى يظفر بـ معشوقته ..
لقد ودعتني عبلة يوم بينها .. وداع يقين أنني غير راجعِ
و ناحت و قالت كيف تُصبح بعدنا .. إذا غبت عنّا في القفار الشواسعِ
فقلتُ لها : يا عبلُ إني مُسافر .. و لو عرضت دوني حدود القواطعِ
خلقنا لهذا الحُب من قبل يومنا .. فما يدخل التفنيد فيهِ مسامعِ
لم تكُن المهمة سهلة في كُل الأحوال فقد كانت الطريق شاقة ، و لقي في سبيل مهر ( عبلة ) أهوالاً عظيمة ، و وقع في الأسر و أبدى في سبيل الخلاص منه بطولات خارقة ..
إن المُحب إذا أحب حبيبه .. تلقاهُ يبذُلُ فيه مالا يُبذلُ
و أخيراً تحقّق حلمه و عاد إلى قبيلته و معه مهر ( عبلة ) ألفاً من عصافير الملك ( النعمان ) ، لكن عمّه لم يفي بوعده و أخذ يماطله و يسوَّف زواجه منها و يكلفه من أمره شطّطا ..
و وصل به الحقد على ( عنترة ) أن فكر في التخلص منه فعرض إبنته على فُرسان القبائل على أن يكون مهرها رأس ( عنترة ) ..
أما ( عنترة ) الذي كان أقوى فُتيان العرب و أكثرهم شجاعة و إقداماً ، حاربهم و اجتهد في الإنتصار عليهم ولكن الكثرة غلبت الشجاعة ..
خسر ( عنترة ) المواجهة و أورثه ذلك همّاً كبيراً و كمداً لـ ثلاثة أسباب هي :
1 ـ أنه خسر حُبه الشديد لـ ( عبلة ) و هيامه بها للدرجة التي جعلته يتحدى من أجلها كُل الأهوال والمصاعب ..
2 ـ إنتماؤه القوي لقبيلته و دفاعه المُستميت عنها في أعتى الشدائد لكن قبيلته لم تحفظ له هذا الجميل بل سحقته بـ الهم و أعيته بـ الكرب العظيم ، و أخيراً تآمروا عليه ..
3 ـ فـ هو حظه التعيس الذي جعل والده ينتصل من نسبه و يحرمه من شرف ناله غيره بـ سهولة ، فضلاً عن بشرته السوداء التي حالت بينه و بين زواجه ممن أحبها ..
و تحكي الأسطورة الشعبية أن ( عنترة ) قضى حياته راهباً متبتلاً في محراب حُبها يُغني لها و يتغنّى بها ، و يمزج بين بطولته و حُبه مزاجاً رائعاً و جميلاً ، و قد قضى حياته يُعاني من لوعة الحرمان وألم و مرارة الفُراق ..
و إن عِشتُ مِنْ بَعدِ الفُراق فما أنا .. كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغرمُ
و إن نامَ جفني كان نوْمي عُلاَلةً .. أقولُ : لعلَ الطَّيْفَ يأتي يُسلَّمُ
تزوجت ( عبلة ) بـ فارس عربي و قد صرّح ( عنترة ) في بعض شعره بأنه تزوجت من فارس عربي ضخم أبيض اللون ، يقول لها في إحدى قصائده الموثوق بها و التي يرويها الأصمعي الثقة :
إما تريني قد نحلت و من يكن .. غرضاً لأطراف الأنة ينحل
فلرب أبلج مثل بعلك بادن .. ضخم على ظهر الجواد مهبل
غادرته متعفراً أوصاله .. و القوم بين مجرح و مجدل
و الثابت أن ( عبلة ) تزوجت من غير ( عنترة ) بعد ذلك الكفاح الطويل الذي قام به من أجلها ، و أبى القدر أن يُحقّق للعاشقين حلمهما الذي لطالما عاشا فيه ..
و عاش ( عنترة ) بعد ذلك عُمراً طويلاً يتذكر حُبه القديم و يحن إلى أيامه الخالية ، و يشكو حرمانه الذي فرضته عليه أوضاع الحياة و تقاليد المُجتمع ..
ألاَ يا عَبلَ قد زادَ التصابي .. وَ لجَّ اليوم قَومُكِ في عَذابي
وَظلَّ هَواكِ ينمو كُلَّ يوم .. كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي
و قد طوى قلبه على أحزانه و يأسه و ذَّر الرماد على جمرة العشق المُتقدة بين جوانحه محاولاً أن يمحو ذكرياتها من فُؤاده ، لكن الجمرة سُرعان ما تطل من بين الرماد لـ تُعلن أنها لازلت تتأجج
و تشتعل ..
لو كان لي قلبانِ لعشت بواحد .. و تركتُ قلباً في هواكِ يتعذب
لكن لي قلباً تملّكه الهوى .. فلا العيش يهنو لي ولا الموت أقرب
و بقيت جمرة الحُب مُشتعلة و لم تنطفيء جذوتها من تحته حتّى ودع الحياة و غلبه هادم اللذّات و مُفرّق الجماعات ، و أسدل الموت الستار على قصّة حُبه ..
و هلاكي في الحب أهون عندي .. من حياتي إذا جفاني الحبيب
و كانت ( عبلة ) الأثيرة في حياته و حتّى مماته ..
انتهت حياة البطل ( عنترة ) بعد أن بلغ من العُمر عتيا ، و يشبه مماته ميتة اخيل كفارس يُقاتل في التسعين من عُمره و في كبره ..
اما النهاية التي لقيها الشاعر فـ القول فيها مُختلف و لكن القول المُرجّح هو أن ( عنترة ) مات بـ سهم مرهرط من رجل أعماه ( عنترة ) و اسمه ( جابر بن وزر ) و يُلقب بـ الأسد الرهيص ، و ذلك أثناء إغارة قبيلة "عبس" على قبيلة "طيء" و إنهزام العبسيين ، و هذا الرجل انتقم من (عنترة ) بسبب العمى الذي سببه له ( عنترة ) في حرب "داحس و الغبراء" ..
و كان "لامارتين" الشاعر الفرنسي مُعجباً بـ ميتة ( عنترة ) الذي ما ان أصيب بـ السهم المسموم و أحس انه ميت لا محاله حتّى اتخذ خطة المُناضل حتّى بعد مماته ، فـ ظل مُمتطياً صهوة جواده مرتكزاً على رمحه السمهري ، و أمر الجيش بأن يتراجع و ينجو من بأس الأعداء ..
و ظل في وقفته تلك حامياً ظهر الجيش و العدو يبصر الجيش الهارب و لكنه لا يستطيع اللحاق به
لـ إستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه ، حتّى نجا الجيش و أسلم ( عنترة ) روحه باقياً في مكانه مُتكئاً على الرمح فوق جواده الأبجر ..
يا عَبلُ أين من المَنيَّةِ مَهْربي .. إن كانَ ربّي في السَّماءِ قَضاها
شخصية عنترة هي شخصية تاريخية سُطرت حروفها بـ الذهب لـ تبقى خالدة في أذهان و قلوب الناس ، شخصية مزجت بين الشجاعة و الفروسية و الحُب مِزاجاً رائعاً ..
نشأ ( عنترة العبسي ) من أب عربي هو ( عمرو بن شدّاد العبسي ) و كان سيداً من سادات قبيلته و من أشراف القوم و أعلاهم نسباً ، و من أم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية و تُدعى ( زبيبة ) كان أبوه قد سباها في إحدى غزواته .. ذاق في صباه ذُل العبودية و الحرمان و شظف العيش و المهانة لأن أباه لم يستلحقه بـ نسبه ، فتاقت روحه إلى الحُرية و الإنعتاق ..
رفض أبوه الإعتراف به فأتخذ مكانه بين طبقة العبيد في القبيلة خضوعاً لـ تقاليد المُجتمع الجاهلي التي تقضي بـ إقصاء أولاد الإماء عن سلسلة النسب الذهبية التي كان العرب يحرصون على أن يظل لها نقاؤها و على أن يكون جميع أفرادها ممن يجمعون الشرف من كِلا طرفيه ( الأمهات + الآبآء ) إلا إذا أبدى أحد هؤلاء الهجناء إمتيازاً أو نجابة فإن المُجتمع الجاهلي لم يكُن يرى في هذه الحالة ما يمنع من إلحاقه بـ أبيه ..
غير أن فارسنا عرف كيف يكون من صناديد الحرب و الهيجاء ، يذود عن الأرض و يحمي العرض و يعف عند المغنم ، فقد اشترى حُريته بـ سيفه و يراعه ( لسانه ) الشعري و أثبت أن الإنسان صانع نفسه و صاحب مصيره بغض النظر عن أصله و فصله و جنسه و لونه و شكله ..
وَمَا عَابَ الزَّمانُ عَلَيَّ لَونِي .. وَ لاَ حطَّ السَّوادُ رفيعُ قدري
إذا ذُكِرَ الفَخارُ بِأرض ِ قومٍ .. فَضربُ السيفِ في الهَيجاءِ فَخري
سَمَوتُ إلى العُلاَ وَ عَلوتُ حَتّى .. رَأيتُ النجمَ تَحتي وَ هوَ يجري
و قوماً آخرينَ سَعوا وَ عَادَ .. حَيَارى مَا رأوا أثّراً لأثري
و يقولُ أيضاً :
سوادي بياضٌ حين تبدو شمائلي .. و فعلي على الأنساب يزهو و يفخر
إن كان أمر الله أمراً يُقدر .. فكيف يمر المرء منهُ و يحذر
كان من أشهر الفُرسان و أبعدهم صيتاً و أسيدهم ذِكراً و شيمةً و عزة نفس ووفاء للعهد ، و إنجاز للوعد وهي الأخلاق المُثلى في قديم الزمان و حديثه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مُعجباً بـ ( عنترة ) لـ أخلاقه و سماحته و عفّته و ترفعه عن كُل دنيء فقد روي أنهُ قال : [[ ما وصف لي شاب أعرابي و أحببت ان أراه إلا عنترة ]] ..
لَئِن أكُ أسوداً فـَ المِسكُ لَوني .. وَ مَا لِسوادِ جلدي مِن دواءِ
وَ لَكِن تبعُدُ الفَحشاءُ عَنَّي .. كَبُعدِ الأرضِ عَن جَوَّ السّماءِ
قصة عشقه لعبلة..
اشتهر ( عنترة ) بـ قصّة حُبه لـ إبنة عمّه ( عبلة ) و التي كانت من أجمل نساء قومها في نظارة الصبا ، و شرف الأرومة ، بينما كان هو إبن جارية فلحاء ، أسود البشرة ..
وَلولاَ فَتاةٌ في الخيام مُقيمةً .. لما اخَتْرتُ قُربَ الدَّار يوماً على البُعدِ
مُهفْهَفةً و السَّحرُ مِنْ لحظاتها .. إذا كلّمْت ميتاً يَقومُ مِنْ اللَّحدِ
و أشارت إليها الشَّمْسُ عِندَ غُروبِها .. تقولُ : إذا اسوَّ الدجى فاطْلعي بعدِ
وَ قَالَ لها البدرُ المُنيرُ ألاَ اسْفري .. فإنَكِ مثلي في الكَمالِ و في السَّعْدِ
سُرعان ما نشأ الحُب في قلب ( عنترة ) لإبنة عمّه ( عبلة ) و صادف أن أحبتهُ هي الأخرى و بلغ بهما الشوق مبلغه فصارا عاشقين ..
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جآزَ المَدى .. وَ أنا المُعنَّى فيكِ منْ دون الورى
يا عَبلَ حُبَّكِ في عظامي مَعَ دمي .. لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرى
تقدّم ( عنترة ) إلى عمّه يخطب إليه إبنته لكن لون بشرته السوداء و نسبه وقف مرّة أخرى في طريقه ، فقد رفض ( مالِك ) أن يزوج إبنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي ، و أبى كبرياؤه أن يرضى بعبد أسود ــ مهما تكن شجاعته و فروسيته زوجاً لإبنته العربية الحُرة ، النقية الدم ، الخالصة النسب ..
و حتّى يصرفه عنها و يُشعره بقلة الحيلة و العجز عن دفع مهرها ، طلب منه ان يدفع لها مهراً ألف ناقة حمراء من نوق الملك ( نعمان ) المعروف بـ العصافير ، و لم ييأس ( عنترة ) المُحب الواثق من قدرته على سداد مهر حبيبته و مُهجة قلبه ( عبلة ) ، فخرج في طلب عصافير ( النعمان ) حتّى يظفر بـ معشوقته ..
لقد ودعتني عبلة يوم بينها .. وداع يقين أنني غير راجعِ
و ناحت و قالت كيف تُصبح بعدنا .. إذا غبت عنّا في القفار الشواسعِ
فقلتُ لها : يا عبلُ إني مُسافر .. و لو عرضت دوني حدود القواطعِ
خلقنا لهذا الحُب من قبل يومنا .. فما يدخل التفنيد فيهِ مسامعِ
لم تكُن المهمة سهلة في كُل الأحوال فقد كانت الطريق شاقة ، و لقي في سبيل مهر ( عبلة ) أهوالاً عظيمة ، و وقع في الأسر و أبدى في سبيل الخلاص منه بطولات خارقة ..
إن المُحب إذا أحب حبيبه .. تلقاهُ يبذُلُ فيه مالا يُبذلُ
و أخيراً تحقّق حلمه و عاد إلى قبيلته و معه مهر ( عبلة ) ألفاً من عصافير الملك ( النعمان ) ، لكن عمّه لم يفي بوعده و أخذ يماطله و يسوَّف زواجه منها و يكلفه من أمره شطّطا ..
و وصل به الحقد على ( عنترة ) أن فكر في التخلص منه فعرض إبنته على فُرسان القبائل على أن يكون مهرها رأس ( عنترة ) ..
أما ( عنترة ) الذي كان أقوى فُتيان العرب و أكثرهم شجاعة و إقداماً ، حاربهم و اجتهد في الإنتصار عليهم ولكن الكثرة غلبت الشجاعة ..
خسر ( عنترة ) المواجهة و أورثه ذلك همّاً كبيراً و كمداً لـ ثلاثة أسباب هي :
1 ـ أنه خسر حُبه الشديد لـ ( عبلة ) و هيامه بها للدرجة التي جعلته يتحدى من أجلها كُل الأهوال والمصاعب ..
2 ـ إنتماؤه القوي لقبيلته و دفاعه المُستميت عنها في أعتى الشدائد لكن قبيلته لم تحفظ له هذا الجميل بل سحقته بـ الهم و أعيته بـ الكرب العظيم ، و أخيراً تآمروا عليه ..
3 ـ فـ هو حظه التعيس الذي جعل والده ينتصل من نسبه و يحرمه من شرف ناله غيره بـ سهولة ، فضلاً عن بشرته السوداء التي حالت بينه و بين زواجه ممن أحبها ..
و تحكي الأسطورة الشعبية أن ( عنترة ) قضى حياته راهباً متبتلاً في محراب حُبها يُغني لها و يتغنّى بها ، و يمزج بين بطولته و حُبه مزاجاً رائعاً و جميلاً ، و قد قضى حياته يُعاني من لوعة الحرمان وألم و مرارة الفُراق ..
و إن عِشتُ مِنْ بَعدِ الفُراق فما أنا .. كما أدَّعي أني بعبلةَ مُغرمُ
و إن نامَ جفني كان نوْمي عُلاَلةً .. أقولُ : لعلَ الطَّيْفَ يأتي يُسلَّمُ
تزوجت ( عبلة ) بـ فارس عربي و قد صرّح ( عنترة ) في بعض شعره بأنه تزوجت من فارس عربي ضخم أبيض اللون ، يقول لها في إحدى قصائده الموثوق بها و التي يرويها الأصمعي الثقة :
إما تريني قد نحلت و من يكن .. غرضاً لأطراف الأنة ينحل
فلرب أبلج مثل بعلك بادن .. ضخم على ظهر الجواد مهبل
غادرته متعفراً أوصاله .. و القوم بين مجرح و مجدل
و الثابت أن ( عبلة ) تزوجت من غير ( عنترة ) بعد ذلك الكفاح الطويل الذي قام به من أجلها ، و أبى القدر أن يُحقّق للعاشقين حلمهما الذي لطالما عاشا فيه ..
و عاش ( عنترة ) بعد ذلك عُمراً طويلاً يتذكر حُبه القديم و يحن إلى أيامه الخالية ، و يشكو حرمانه الذي فرضته عليه أوضاع الحياة و تقاليد المُجتمع ..
ألاَ يا عَبلَ قد زادَ التصابي .. وَ لجَّ اليوم قَومُكِ في عَذابي
وَظلَّ هَواكِ ينمو كُلَّ يوم .. كَما يَنمو مَشيبي في شَبابي
و قد طوى قلبه على أحزانه و يأسه و ذَّر الرماد على جمرة العشق المُتقدة بين جوانحه محاولاً أن يمحو ذكرياتها من فُؤاده ، لكن الجمرة سُرعان ما تطل من بين الرماد لـ تُعلن أنها لازلت تتأجج
و تشتعل ..
لو كان لي قلبانِ لعشت بواحد .. و تركتُ قلباً في هواكِ يتعذب
لكن لي قلباً تملّكه الهوى .. فلا العيش يهنو لي ولا الموت أقرب
و بقيت جمرة الحُب مُشتعلة و لم تنطفيء جذوتها من تحته حتّى ودع الحياة و غلبه هادم اللذّات و مُفرّق الجماعات ، و أسدل الموت الستار على قصّة حُبه ..
و هلاكي في الحب أهون عندي .. من حياتي إذا جفاني الحبيب
و كانت ( عبلة ) الأثيرة في حياته و حتّى مماته ..
انتهت حياة البطل ( عنترة ) بعد أن بلغ من العُمر عتيا ، و يشبه مماته ميتة اخيل كفارس يُقاتل في التسعين من عُمره و في كبره ..
اما النهاية التي لقيها الشاعر فـ القول فيها مُختلف و لكن القول المُرجّح هو أن ( عنترة ) مات بـ سهم مرهرط من رجل أعماه ( عنترة ) و اسمه ( جابر بن وزر ) و يُلقب بـ الأسد الرهيص ، و ذلك أثناء إغارة قبيلة "عبس" على قبيلة "طيء" و إنهزام العبسيين ، و هذا الرجل انتقم من (عنترة ) بسبب العمى الذي سببه له ( عنترة ) في حرب "داحس و الغبراء" ..
و كان "لامارتين" الشاعر الفرنسي مُعجباً بـ ميتة ( عنترة ) الذي ما ان أصيب بـ السهم المسموم و أحس انه ميت لا محاله حتّى اتخذ خطة المُناضل حتّى بعد مماته ، فـ ظل مُمتطياً صهوة جواده مرتكزاً على رمحه السمهري ، و أمر الجيش بأن يتراجع و ينجو من بأس الأعداء ..
و ظل في وقفته تلك حامياً ظهر الجيش و العدو يبصر الجيش الهارب و لكنه لا يستطيع اللحاق به
لـ إستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه ، حتّى نجا الجيش و أسلم ( عنترة ) روحه باقياً في مكانه مُتكئاً على الرمح فوق جواده الأبجر ..
يا عَبلُ أين من المَنيَّةِ مَهْربي .. إن كانَ ربّي في السَّماءِ قَضاها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.