الإسلام اليوم
مخاوف عديدة وكثيرة تحيط بإعلان اليمن دولة اتحادية
مكونة من ستة أقاليم وهو الإعلان الذى جاء على لسان الرئيس عبد ربه منصور
هادى ، أمس الأول الثلاثاء وتتمثل المخاوف بالدرجة الأولى, فى إمكانية أن
تقود هذه الفيدرالية مزيدا من تفتيت البلاد وإجهاض الكيان الاتحادى الذى
خرج بالفعل من عباءة دولة الوحدة بين الشطرين الشمالى والجنوبى والتى
انبثقت فى الثانى والعشرين من مايو 1990 وتم تثبيت أركانها عبر الخيار
العسكري بعد ذلك بأربع سنوات فى حرب طاحنة،
ومع ذلك فإن هذا الإعلان يمكن النظر إليه باعتباره تحولا نوعيا لإنهاء أكثر من نصف قرن من حكم مركزى تعاقب على اليمن شمالا وجنوبا حتى قبل ولادة دولة الوحدة الحديثة فضلا عن كونه ينطوي على تأكيد حدوث تحول كبير من النظام المركزي إلى النظام الاتحادى ـ الفيدرالى يتسم بقدر أكبر من المرونة السياسية والقدرة على التعاطى مع التطورات والتغيرات الوطنية والأقليمية بل والدولية وذلك كنتيجة مباشرة للحوار الوطنى الذى شاركت فيه مختلف القوى السياسية فى البلاد واختتم فى الخامس العشرين من يناير الماضى وشكل هذا الإعلان الحد الأدنى الذى حظى بقبولها جميعا عوضا عن القبول بخيار التقسيم والانفصال الذى سعى إليه كل من الحراك الجنوبى والحوثيين فى صعدة.
ووفقا لرؤية مراقبين فإنه لايتعين النظر إلى هذا الإعلان من زاوية سياسية فحسب بل من حاجة اجتماعية أيضاً، لاسيما فى ظل الصراعات التى خاضتها الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن، سواء فى إطار شطرى اليمن أو على مستوى اليمن الموحد والتى أفرزت الكثير من التداعيات السلبية وأعاقت البلاد عن تحقيق اختراقات جوهرية على صعيد التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعى، صحيح أن النظام الاتحادى لن يدخل دائرة التطبيق بالسهولة التى يتصورها البعض من فرط التعقيدات الاجتماعية والسياسية المتراكمة إلا أنه فى المقابل قد ينطوى على إمكانية منح اليمنيين فضاء أكثر قدرة على التعاطى مع المعضلات المزمنة وتجاوز حالات الاحتقان التى فرضت معادلاتها على البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ولا شك أن معارضى النظام الاتحادى كثيرون، وهم يتكئون
فى ذلك على ضعف البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤهلة لهذا
الانتقال، بخاصة وأن البلد يعيش على وقع اضطرابات وحروب مصغرة هنا وهناك،
ويخشون من أن يكون ذلك مقدمة لتفكك البلاد وانهيارها، إلا أن أنصار النظام
الاتحادى يرون فى الشكل الجديد للدولة حلاً للأزمات التى يعانيها اليمن وهو
ما يتجلى فى التقرير النهائى الذى قدمته لجنة تحديد عدد أقاليم الدولة
الاتحادى الذى يؤكد أن المرتكزات التى سيقوم عليها النظام الاتحادى تتمثل
فى تمتع المواطنين اليمنيين بكافة الحقوق والواجبات، إضافة إلى التجانس
لضمان الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى. ومن الأهمية بمكان توافر القناعات
القوية لدى النخب السياسية الفاعلة فى البلاد بأن الانتقال إلى النظام
الجديد يعد فرصة لإعادة الحياة من جديد إلى بلد أنهكته الصراعات خلال
السنوات الخمسين الماضية، وأن الوقت قد حان ليختبر اليمنيون أنفسهم فى هذا
التحدى الذى سيجعلهم قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم من خلال التنافس فى
إدارة الأقاليم التى سيتم تشكيلها وفق معايير جغرافية تنهى حالة الصراع
القائم حالياً على أساس «شمال وجنوب» .
هذا في الوقت الذي أكد فيه المتمردون الحوثيون الشيعة رفضهم لتقسيم اليمن، معتبرين ان الصيغة التى اعتمدت والتى ستجعل البلاد ستة أقاليم أربعة فى الشمال واثنين فى الجنوب ،تحرمهم من منفذ على البحر، وتقسم اليمن إلى «أغنياء وفقراء».
وقال محمد البخيتى الذى يمثل الحوثيين الذين يتخذون اسم
أنصار الله، نرفض هذا التقسيم لانه قسم اليمن الى فقراء وأغنياء. وأضاف
الدليل أن التقسيم هذا أتى بصعدة مع عمران وذمار والمفترض ان تكون صعدة
اقرب ثقافيا وحدوديا واجتماعيا من حجة والجوف.
واعتبر أن التقسيم المعتمد أتى لخدمة المملكة العربية
السعودية ليعطيها مساحة كبيرة قبلية نفطية على الحدود، مشيرا بشكل خاص الى
اقليمى سبأ وحضرموت الغنيين بالنفط والحدوديين مع السعودية واللذين تربط
بين القبائل فيهما والمملكة علاقات قبلية وطيدة. وبدوره، قال محمد على أحمد
وزير داخلية سابق فى اليمن الجنوبى إن ما أعلن عن إنشاء ستة اقاليم يعد
انقلابا على ما تمت الاتفاق عليه فى الحوار الوطنى.
وأضاف أن هذا ما جعله ينسحب من الحوار. وانسحب أحمد من
المحادثات فى نوفمبر الماضى ورفضت ثلاثة أحزاب يمينة فى ديسمبر الاقتراح
بتحويل اليمن إلى دولة اتحادية.
من ناحية أخرى قالت آنا بويد كبيرة محللى شئون الشرق الأوسط بمركز آي.اتش.اس كانترى ريسك ان الاتفاق "يغلق الباب أمام الطموحات الانفصالية للجنوبيين" لكن الحكومة لن تتمكن على الأرجح من إعادة بسط سيطرتها على معظم أراضى اليمن خلال العام القادم.
وأضافت "الفصائل الانفصالية المتشددة ستستغل على الأرجح
تراجع قدرة قوات الأمن فى المحافظات الجنوبية وستنسق جهودها مع فصائل
مسلحة أخرى للحصول على الأسلحة والخبرات وستلجأ بشكل متزايد للهجمات التى
تستهدف البنية التحتية والطاقة وقوات الأمن من أجل مزيد من إضعاف سيطرة
الحكومة على المناطق اليمنية الجنوبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.