ما زال العلماء من المسلمين و من رجال الدين و
الباحثين في الدين الإسلامي مختلفين حول مفهوم النفس في القرآن الكريم ،
كذلك منقسمين حول مما يتكون الإنسان ؟ ، لهذا رأيت أن أنشر هذا الملخص
الذي يبحث في ماهية النفس في العلم الحديث، من كتاب (مقدمة في علم النفس العام ) دون أن أتدخل أو أن أضيف شيئا من عندي ، و متخليا عن بعض الأجزاء من الكتاب لكي لا أطيل على القارئ ، لمؤلفه د. عبد السلام عبد الغفار ، الصادر عن دار مكتبة جامعة بيروت العربية .
راجيا أن أكون قد أفدت بعض القراء من
المهتمين بملخصي هذا ، ليكون قاعدة علمية و منطلقا في الفكر حين نتحدث عن
الإنسان و مما يتألف و يتركب و عن النفس الإنسانية في بحوثنا الإسلامية و
بهذا يتوحد المفهوم العلمي مع التدبر و التحليل القرآني لنا ، فلا نضع
أنفسنا موضع إستهزاء فكري من قبل الأطباء و المفكرين .
القسم الأول
نظرية التحليل النفسي
قال فرويد إن النفس البشرية تشبه جبلا من
الجليد ، يطوف فوق سطح المحيط ، لا يبدو منه سوى جزءا بسيطا فوق سطح الماء ،
و هذا إسمه الشعور ، أما الجزء الأكبر المتخفي تحت سطح الماء ، فإسمه
اللاشعور .
و يقوم التحليل النفسي كنظرية لتفسير السلوك الإنساني على عدة أسس :
1 --- الحتمية النفسية : إن لكل نتيجة سبب
أدى الى هذه النتيجة ، كذلك لكل سبب نتيجة أدت الى هذا السبب ،هذا يعني :
أن كل سلوك أو نشاط يقوم به الإنسان و هو ( النتيجة ) لا بد من (سبب) يدفعه
لهذا السلوك أو النشاط .
2 --- الطاقة النفسية : الإنسان عبارة عن
جهاز طاقة معقد و يستمد طاقته من الطعام الذي يتناول والشمس والهواء
ويستخدم هذه الطاقة في أغراض متباينة مثل الهضم و التنفس و النشاط الحركي
ويتحول جزء من هذه الطاقة الى طاقة نفسية تستخدم في أغراض مثل الإدراك و
التفكير و التذكر... ، على هذا يتحول جزء من الطاقة الجسمية التي أساسها
الغذاء الى طاقة نفسية ، و بالعكس أيضا ، تتحول جزء من الطاقة النفسية الى
طاقة جسمية ، و هذا نراه في حياتنا اليومية ، فالذي نفسيتة مرتاحة و سعيدا (
اي طاقته النفسية مرتاحة ) تنعكس على نشاطه الحركي الجسماني ، نراه يتحرك و
كله حيوية و العكس صحيح .
فحينما يتعرض الإنسان الى إستثارة معينة
(رؤية الطعام مثلا ) و تتزايد هذه الإستثارة لديه و تتزايد الى أن تصل الى
المدى الذي يساعد النفس على التغلب على المقاومة العصبية عبر الممرات
العصبية و هذه العملية إسمها الإستثارة النفسية .
3 --- الثبات والإتزان : الكائن الحي ومنها
الإنسان لدية القدرة على الإستجابة للمثيرات المختلفة ، مثيرات داخلية أو
خارجية ، وحين يتعرض الإنسان الى هذه المثيرات تؤدي الى حالة من عدم
الإتزان الموقت و هي حالة إستثارة نفسية مما تؤدي الى حالة توتر وزيادة
الطاقة لدية مما يدفع الإنسان الى سلوك و نشاط معين هدفه الوصول الى ثبات
الطاقة لديه ، حتى يشعر بالإرتياح واللذة ، فراحة الإنسان لا تتم إلا
بثبات الطاقة والإتزان و ذلك عن طريق تفريغ الطاقة التي نشأت عن هذه
المثيرات .
4 --- اللذة : يسعد الإنسان و يلذ حينما يصل
الى ثبات الطاقة لديه . و أي نشاط أو سلوك يقوم به الإنسان هو تفريغ لطاقة
حررت أو أستثيرت داخله ، أستثيرت بمثير معين ، داخلي أو خارجي ، فليس هنالك
سلوك أو نشاط بدون هدف ، كما أنه ليس هنالك سلوك أو نشاط بدون دافع يحركه
.
أولا : نظرية الغرائز :
يرى فرويد أن الغرائز تمثل المحركات
الأساسية لسلوك الإنسان و هي بمثابة الدنمو الذي يوفرطاقة اللذة للإنسان ،
أي أن الغرائز هي حلقة الوصل بين عالم المادة في جسم الإنسان و عالم النفس
لديه ، و يعرف الغريزة بأنها التمثيل النفسي لحالة إستثارة جسمية داخلية .
و للغريزة أربعه أركان : المصدر ، الهدف ، القوة و وسيلة الغريزة .
إن مصدر الغريزة هو حالة إستثارة جسمية
داخلية تنشأ عن حاجة معينة ، سواء أكانت هذة الحاجة نقصان في شيئ ما أو
زيادة في شيئ ما وعندما تحدث هذه الإثارة يحرر جزء من الطاقة النفسية الذي
ينشأ عن إرتفاع في مستوى الطاقة أو عدم إتزان في توزيع هذه الطاقة وهذا
مؤلم و مثير للتوتر عند الإنسان . لهذا يحاول الإنسان أن يقوم بنشاط معين
حتى يتخلص من هذه الطاقة التي حررت و يستعيد إتزانه ، أي يخفض من مستوى
الطاقة لديه ، فالهدف ثابت واحد و هو الوصول الى حالة الإتزان ، وتختلف
الغرائز فيما بينها في وسيلتها .
والوسيلة لها جانبين :
1 – الأساليب السلوكية التي يتخذها الفرد .
2 – موضع الإشباع أو الشيئ الذي يرتبط بالإشباع .
فإذا كان هنالك نقص في المواد الغذائية في
جسم الإنسان و كان محتاجا لها ، فإنه يتولد عنها حالة استثارة ، فيقوم
الإنسان في البحث عن الطعام حتى يجده ثم يتناوله حتى يستعيد إتزانه و يتخلص
من التوتر الذي نشأ عن نقص المواد الغزائية في جسمه ، بحثة عن الطعام
وتناوله الطعام والطعام نفسه هو ما يسمى بالوسيلة ، كما يمكن أن تتغير
وسيلة الغريزة عن طريق الإحلال أو الإبدال إذا تعذر الوصول الى الوسيلة
الأصلية .
قال فرويد أن جميع الكائنات الحية تسلك مسلكا ونشاطا معينا لتحقيق غايتين :
بقاء الفرد و بقاء النوع ، ولتحقيق هاتين الغايتين لدينا مجموعتين من الغرائز:
1 - غرائز الأنا والهدف منها بقاء الفرد ولها طاقتها النفسية الخاصة .
2 - والغرائز الجنسية والهدف منها بقاء النوع ولها طاقتها النفسية الخاصة و تعرف ب اللبيدو.
أي أن هنالك نوعين من الطاقة النفسية :
-- نوع من الطاقة يرتبط بغرائز الأنا
-- والنوع الأخر من الطاقة يرتبط بالغرائز الجنسية و هو اللبيدو .
و قد أدخل فرويد عام 1914 تعديلا على نظريته ،
فقد إكتشف أن اللبيدو أي الغرائز الجنسية قد تتجه الى الفرد نفسه بدلا من
اتجاهه نحو الأخرين أوالأشياء الخارجية ، و قد يقتصر حبه على ذاته وهذا ما
يسميه فرويد بالنرجسية .
هنا يمكننا أن نقول أن الطاقة التي تمثل
الغرائز الجنسية اللبيدو لا تختلف عن الطاقة التي تمثل الأنا وأصبح ينادي
أن الطاقة التي تمثل غرائز الأنا ما هي إلا جزء من الطاقة التي تمثل
الغرائز الجنسية اللبيدو.
و قد تندمج الغريزتين ( غرائز الأنا و الغرائزالجنسية ) مع بعضهما
-- كما في حالة النوم ، إذ أن النوم حالة
إختزال تام للتوتر و هي حالة جزئية للرجوع الى الحالة الغير عضوية و في نفس
الوقت هي محاولة للإحتفاظ بحيوية الإنسان .
-- و كما في حالة تناول الطعام .
و الحب الذي ينبع من الغريزة الجنسية قد
يتعادل مع الكراهية التي تنبع من غريزة الموت و قد تتبادل الغريزتان ، و
يحب الإنسان ثم يكرة و بالعكس .
ثانيا : طوبغرافية النفس البشرية :
إقتصر علم النفس على دراسة الشعور ، و كيف
إهتم علماء النفس بدراسة العمليات الشعورية و التي عرفت بأنها الخبرات أو
العمليات التي يستطيع من يمر بها أن يعبر عنها و يصفها .
و يبدو لنا اليوم أن مثل هذا التحديد لموضوع
علم النفس كان تحديدا قاصرا ، فكيف نستبعد من مجال علم النفس ظواهر نفسية
مثل الأحلام و زلات اللسان ، والصعوبات الوقتية التي يواجهها الكثيرون منا
في محاولاتهم التذكر وغير ذلك من العمليات النفسية .
فرويد هو أول أشارالى هذا القصور ، عندما ذكر
أن الإنسان قد يسلك سلوكا معينا دون أن يكون واعيا بحقيقة الأسباب
والدوافع التي تدفعه الى هذا السلوك ، فقد ينسى الفرد إسم شخص أو مكان ما ،
و قد يزل لسانه ، فهنالك أسباب و عوامل أدت لمثل هذا النسيان و هذه الزلات
. كذلك الأحلام تمثل مطالب و رغبات لا شعورية تم كتمها حيث أنه لا يسمح
بالتعبير عنها في حالة اليقضة . مثال الطبيب الذي يستدعيه عمله أن يستيقظ
من نومه مبكرا والذي يرغب في الإستمرار في النوم ، فيحلم أنه مريض في
المستشفى ويحتاج الى المزيد من النوم فلا يصحو من نومه كما إعتاد .
و بيين فرويد أن الشخص قد يجهل أنه يعرف شيئا ما ، كما لو أن هذه المعرفة قد دفنت أو خبئت في منطقة بعيدة عن وعيه .
كما رفض فرويد الفكرة السائدة عن الإنسان ككائن منطقي ، عقلي ، ينظم حياته و يتخذ دائما قراراته عن وعين و تفكير و دراسة .
ونظر فرويد الى النفس البشرية كما لو كانت
جبلا من الجليد الذي يطفو فوق سطح الماء ، يمثل الجزء المغمور منطقة
اللاشعور و التي هي بمثابة مستودع لجميع الخبرات التي مر بها الفرد في
حياته والتي تركت آثارها و هي الذكريات وهذه الذكريات لا يستطيع الفرد أن
يتذكرها أو يكون على وعي بها .
أما المنطقة الظاهرة فوق الماء ، فهي تمثل
المنطقة الشعورية و هي التي تحتوي على الذكريات و المشاعر و التي يكون
الفرد على وعي بها دائما .
و بين المنطقتين ( الشعور و اللاشعور ) هنالك
منطقة إسمها ( ما قبل الشعور ) و هي التي تحتوي على الخبرات و لكنا قد
تصبح شعورية ، مثل حالات النسيان البسيطة ، الأخطاء الكلامية أو الكتابية .
و لم يقصد فرويد أن يقسم الجهاز النفسي الى أجهزة ، فحديثه هنا وصفي بحت لتقريب المسائل من الفهم .
تكوين الشخصية :
قدم فرويد في عام 1921 تنظيما للشخصية يتكون من ثلاثة أجهزة : الهو و الأنا و الأنا الأعلى .
1 – الهو يعتبر الهو الجهاز الأساسي الذي
تتكون منه الشخصية و منه تتمايز الأنا و الأنا الأعلى ، فالطفل عندما يولد
تتكون شخصيته من الهو فقط ، و يتكون الهو من مجموعة من الأفعال المنعكسة
الفطرية و الغرائز .
و الهو مركز الطاقة النفسية و هو الذي يمد
الأنا و الأنا الأعلى بالطاقة التي تلزمها للقيام بعملهما فيما بعد ، أي
يعتبر الهو بمثابة حلقة وصل بين الجانب العضوي و الجانب النفسي ، كما يعتبر
الحقيقة النفسية الخالصة ، ذلك لأنه يمثل العالم الداخلي للخبرة الذاتية
دون أن يكون به آثار للواقع الخارجي ، و الهو لا يتحمل أي إزدياد في الطاقة
النفسية التي تكونه ، و الهو يسيطر عليه مبدأ اللذة في عمله ، و يساعد
الهو على التخلص من التوتر الذي قد ينشأ به و ما زود به من أفعال منعكسة
التي هي بمثابة إستجابات فطرية أوتوماتيكية لما يتعرض له الوليد من
المثيرات ، فإذا سقط ضوء باهر على عني الوليد يقفل عينيه للتخلص من هذا
الضوء ، و سرعان ما يعطس الوليد إذا ما كان هنالك شيئ غريب في أنفه أدى الى
إستثارته .
و هكذا فالوليد مزود بمجموعه من الأفعال
المنعكسة التي تساعده على التخلص من التوتر الذي ينشأ عن تعرضه لمثيرات
داخلية و خارجية ، و التي تعمل على إعادة إتزانه كلما حدث إختلال في هذا
الإتزان ، و التي تعمل على خفض مستوى الإثارة عنده الى أقل مستوى ممكن .
غير أن الوليد يتعرض لمثيرات داخلية تحتاج
الى مساعدات خارجية حتى يتخلص من التوتر الناشئ عنها ، المثل في ذلك الجوع
، فإن جاع الطفل فالتوتر الناشئ عن هذا المثير لا يزول إلا إذا أطعمه شخص
آخر ، و لولا وجود هذه الحاجات و ما يصاحبها من مثيرات و التي لم يزود
الطفل بأفعال منعكسة تعمل على إشباعها ، لما كان هنالك حاجة للنمو النفسي ،
فعندما يجوع الوليد يشعر في تقلصات في جدار معدته و التي بدورها تعمل
بدورها على إستثارة الطاقة النفسية و تنشؤ عنها حالة توتر مؤلمة ، فيبدؤ
الطفل في البكاء حتى يصل الطعام الى فمه و تبدؤ الأفعال المنعكسة المزود
بها مثل المص و الإبتلاع و تقوم بعملها حتى تزيل التوتر الناشئ عن الجوع ، و
الوليد يرى طعامه أو مصدر طعامه و يتذوقه و يحس به ، و تختزن هذه المدركات
في ذاكرة الوليد ، و عن طريق تكرار هذه المواقف يقوى الإرتباط بين هذه
المدركات و بين إختزال التوتر الناشئ عن الجوع ، فإذا ما جاع الطفل و لم
يطعم فورا ، فيقوم الهو بإستخدام الآثار التي تركتها هذه المدركات في ذاكرة
الوليد و يكون منها صورة عن الطعام لكي يخفف من التوتر الناشئ عن الجوع و
هذه تعرف بالعملية الأولية ، و الهو لا يستطيع أن يميز بين الصورة الذاتية
التي كونها و بين الشيئ الحقيقي الذي يزيل التوتر .
غير أن الوليد لا يستطيع أن يعيش على هذه
الصورة التي كونها الهو عن طريق العملية الأولية و لهذا يبدأ عملية أخرى
بالتكون و النمو و تحل محل العملية الأولية و تسمى العملية الثانوية و
يتكون جهاز آخر من أجهزة الشخصية و هو الأنا .
2 – الأنا :
يتمايز جزء من الهو و ينفصل ، مكونا جهازا
آخر يسمى الأنا التي تعمل على إشباع حاجات الوليد ، فالأنا تمثل الصلة بين
العالم الخارجي ( الواقعي ) و بين الوليد أو الهو ( العالم الذاتي ) .
و تعتبر الأنا المسؤولة عن تنفيذ رغبات الهو و
إشباع حاجاته ، و هي الجهاز الذي يتم عن طريقه التفاعل بين العالم الخارجي
و بين الهو ، و لهذا فالأنا تعمل بصورة تختلف عن الهو( الذات ) إذ أن
الأنا تعمل وفقا و على أساس الواقع الذي يحيط بها ، و الأنا تعتمد على
العملية الثانوية و هي عملية التفكير الواقعي بدلا من العملية الأولية
التي يعتمد عليها الهو ، و تستمد الأنا الطاقة اللازمة لها من الهو لكي
تقوم بعملها ، و في حالة التكيف السليم تصبح الأنا هي المسيطرة على الهو و
الأنا الأعلى ، أما في حالة خضوع الأنا للأنا الأعلى أو للهو فتظهر أعراض
الإضطرابات الإنفعالية .
الأنا الأعلى :
و هو الجهاز الثالث من الشخصية و يتكون في
حوالي سن الخامسة و يمثل الجانب الخلقي (الأخلاقي و المثالي) من الشخصية ،
بعكس الأنا التي تلتزم بالواقع و بعكس الهو الذي لا هدف له إلا الحصول على
المزيد من اللذة و تجنب الألم . و ينمو الأنا الأعلى من الأنا عن طريق
إمتصاص الطفل للمعاير الأخلاقية من والديه ، فتصبح هذه المعاير بمثابة
الظابط له في سلوكه و تصبح جزءا من شخصيته .
و يتكون الأنا الأعلى من جهازين :
1 – الضمير و 2- الأنا المثالي .
و يقوم الأنا الأعلى بثلاثة وظائف :
1 – أن يكف و يحد من رغبات الهو .
2 - أن يحاول توجيه الأنا نحو المثالية بدلا من الواقعة .
3 - الوصول الى الكمال .
و هكذا ينظر فرويد الى الشخصية ، فكلما كانت
العلاقة منسجمة بين هذه الأجهز الثلاثة ، كلما أدى ذلك الى تكيف الفرد
تكيفا سليما ، بينما في حالة حدوث تعارض بين هذه الأجهز ، فهنالك أحتمال
لوقوع الفرد صريعا للإضطرابات النفسية و العقلية .
و الله من وراء القصد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.