الأحد، 27 أبريل 2014

تسألني.. ما الذي أحببته فيك؟؟ مقتطف أدبي لدكتور مصطفى محمود


سوف تعجب إذا قلت لك إنها تجاعيد جبينك والخطوط الغائرة في خديك وذلك الحزن القديم في صوتك والإرهاق المستمر في عينيك وتلك الخطى المكدودة والكلام القليل والشرود والصمت الحائر..و كأنك تحاول تمسك بحبال اللاشئ .
إنه الضني ..
ضني المشوار الطويل الذي مشيته ..
الضني مجسدا في ملامح و صوت و إنسان قد أحببت فيك هذا الضني الناطق المعبر ..
إنه الإنسانية كلها في رجل .
و حينما أعطيتك يدي لتحتويها يدك و أعطيتك أسراري لتفترشها أسرارك .. أدخلتك في لحظتها في سواد العين و أسكنتك المهجة .

و أصبحت أتنفسك مع كل شهيق و زفير و أعيشك مع الفطور و فنجان الشاي و جرائد الصباح و تليفونات الأقارب و صوت المترو و ضجيج الميناء .
إنها أيام نادرة .. ذلك اللقاء العابر في نابولي .
بل هي حالة خاصة جدا و نادرة أن يلتقي اثنان كل منهما تجرد من ظروفه و طرح خلفه كل شئ من ماض و هموم و ارتباطات و مشاكل ليعطي نفسه خالصة مجردة نقية للاخر .

إنها لحظات أشبه بماء أعيد تقطيره من شوائبه و أعيد ترشيحه من رواسبه عدة مرات حتى أصبح شفافا مقطرا نقيا مثل النور المذاب ..
و كذلك كانت نشواتنا في تلك الأيام .
كانت مستخلصة نقية رائعة صافية مثل أشعة الفجر .. و كان طعمها و كأنها من كوكب آخر و كأنها من الجنة .

تلك حالة لم أعشها طوال حياتي من قبل .. و لم أعرفها .
و لا أظن أني سوف أعيشها بعد ذلك أو أعرفها أبدا .
أنت تقول .. كنا نحلم .
و أنا أقول .. بل كانت لحظة واقعية .. و كل دقيقة كانت حقيقة .. و أكاد أشم عطرك في مناديلي و أكاد أشعر بعرق يديك في كفي بل كل حياتي قبلها كانت هي الحلم .
و كل حياتك قبلها كانت خيالا .
و كل الدنيا قبلها كانت وهما .
كنت عمياء طول الوقت حتى أبصرتك و كنت وحيدة حتى صاحبتك و كنت لا آكل و لا أشرب حتى أكلت معك و شربت معك .. و كنت لا أضحك و لا أبكي حتى ضحكت معك و بكيت معك .
لم نكن نحلم إذن و لم يكن ما نعيشه حلما بل كان صحوة .
و لكنها كانت مجرد فترة .
كانت مجرد صفحات من كتاب العمر ما لبث أن طوتها يد الأجل التي لا تكف عن الجريان .
و حينما التقينا بعد ذلك في القاهرة قلت لي ساعتها .. إنك صدمت .
قلت لي إنك تصافح امرأة أخرى .. امرأة تكاد لا تعرفها .. و تكاد لا تعرفك .
و اتهمتني ساعتها بخيانتك .. و بأن هناك رجل آخر .. و رميتني بالغدر و التلون .. و صدقني لقد رأيت أنا أيضا فيك رجلا آخر .. لا يكاد يعرفني .. و لا اكاد أعرفه .
و لكن لم يكن في الأمر خيانة .
و إنما كل ما حدث أن كلا منا عاد إلى جلده و التقى بالآخر مرتديا مناخ ظروفه الكامل مخنوقا بمشاكله ..

شاركتنا جلستنا على النيل قضية طلاقي من زوجي و مستقبل أولادي و رجل آخر كان يريد أن يتزوجني و نفقات علاج أمي المريضة بالخارج .. كما شاركنا الجرسون يناديك في كل دقيقة .. لترد على تليفون و تحيات معجبات على الموائد الأخرى عرفن فيك الموسيقار المشهور.. ثم دخول واحدة بعد الأخرى على خلوتنا لتوقع لها في الأتوجراف .. ثم مرور أولادك ليشاركونا الشاي .. ثم حكاية زوجتك الأولى ومضايقاتها .. ثم حكاية الفيلم .. ثم .. ثم .. و يومها اختلف كل شئ .
فقدت اطمئناني كما فقدت أنت اطمئنانك .

شعرت لأول مرة بأنك لست ملكي و إنما لي فيك شركاء عديدون يشاركونا الجلسة و الحديث ثم باقي الليلة و باقي العمر سوف يشاركوننا الطعام و الفراش و الحياة .
كما شعرت أنت أيضا بنفس الشئ .
لم تجد تلك المرأة الخالصة التي رأيتها في نابولي .. و إنما رأيت زحاما من الناس و المشاكل .

و أنكرتني ..
و أنكرت نفسك .
و افتقدت ذلك الإحساس النادر بالخلوص والتجرد و النقاء .. كما افتقدته أنا أيضا ..
و افترقنا بوجوه فاترة .
و طالت الفرقة .
و أصبحت مكالمتنا على فترات أبعد و أبعد .
و كنت أحس بنبرة الشك في صوتك .
و لكن صدقني يا مراد .
أنا لم أخنك مع أحد .
و لم أفكر في خيانتك .

و إنما الخائن الحقيقي والشريك الذي شاركنا هو الحياة ذاتها بضغوطها و شواغلها و تنوعها و تلونها و حضورها و تكاليفها التي أبهظتنا و خنقت الروح في داخلنا .
تلك اللحظة المستخلصة المرشحة المقطرة من ذوب نفسي و من ذوب نفسي لم يعد هناك سبيل إلى استعادتها .

لقد حدث هذا في لقاء عابر ذات أمسيات شاعرية في نابولي .
ولم يعد في الإمكان أن تعود هذه الأمسيات أبدا و هذا طبع الدنيا .
إن الخيانة كانت في الدنيا نفسها و لم تكن فينا .
و الحكاية أننا سقطنا من كوكب الجنة إلى الأرض فجأة و لم نعد نقبل تلوث الهواء و تضاغط الزحام و تدافع النافع و تلاحم الأحقاد و الأضغان في نسيج لقمة العيش المريرة .

كيف نشرب الماء مالحا بعد أن ذقناه عذبا فراتا ؟
كيف نعيش التلوث بعد أن عشنا النقاء ؟
كيف نزحف على بطوننا في أوحال المشاكل بعد أن كنا نحلق بأجنحتنا في فضاء فسيح كله ملكنا ؟
كيف أشعر براحة و أنا أحس بكل شئ حولي يسرقك و يأخذك و يشاركني فيك ؟
كيف أحبك و أنا أحس بكل شئ حولي يسرقك و يأخذك و يشاركني فيك ؟
كيف أحبك في اطمئنان وكل هذه الضوضاء حولك و أضواء الكاميرات حولك و عيون حسناوات عديدات تلمع حولك في كل صورة .. و كل واحدة تهددني في مستقبلي ؟
و أنت ..
ماذا كان شعورك و أنت تقرأ خطابات ذلك المجهول الذي يغازلني ؟ .. و ماذا قال لك خيالك و أنت تستمع إلى أولادي يحكون عن أبيهم و كيف كان يحبني و كيف كنت أحبه ؟ .. ثم ذلك الرجل الذي ينتظرني منذ عشرين عاما و يحبني في صمت و رهبانية و فداء .. و ينتظر ذلك اليوم الذي أكون له فيه .
هل يمكن أن تأخذني بكل هؤلاء الشركاء و بكل هذه المنغصات التي سوف تسرقني منك حتى و أنا بين ذراعيك ؟
هل يمكن أن ترضى بالشرود و الغياب في عيني و أنت تقبلني ؟
و هل يمكن أن أقبل إعجاب امرأة أخرى و أنا أنظر إليك أم أن كلا منا سوف يرفض هذا الواقع و يعطي ظهره لصاحبه و يعود ليحلم بلقاء آخر في نابولي ؟
يعود ليحلم بتلك النشوة الخالصة المستقطرة من النور المذاب ..
هل يمكن ان ننزل من سماوتنا لنعيش حياة الأرض معا .. و هل نصلح لحياة الأرض ؟
وهل نرضى حياة زوجية مكررة باهتة ؟
ألا ننكر فيها ما أنكرناه في بعضنا اليوم ثم نعود فنغامرو نحاول أن نلمس سماء الجنة و لو أضعنا كل شئ و لو حطمنا بعضنا بعضا ؟
لا أدري كيف أجيب ؟
و لا زالت نفسي تراوغني كلما حاولت أن أفهمها
فهل تدري أنت ؟
صدقني أنا لا أعرف ماذا أريد بالضبط ؟
و لا من أنا ؟
و كل ما أعلمه بيقين أني عشت ذات يوم بملء النفس حينما كنت لي المهجة و الفؤاد و سواد العين و كل شئ .
و أنها مرت و لا سبيل إلى عودتها أبدا .
و مأساة الزمن .. أنه لا توجد لحظة تتكرر مرتين .. و إنما هو نهر دائم الجريان يتغير فيه الماء باستمرار و بلا توقف .
شئ واحد يمكن أن يردني إليك .. هو إحساسي الدائم بأنه لا يوجد في الكون نفسان تتبادلان معا أخذا و عطاء وبكل العمق مثل نفسي و نفسك .
و أحيانا أقول لنفسي .. حتى إذ لم يبق لي إلا الحزن فلا أجمل من أن أتبادله معك .. حتى الملل واليأس فلن يكونا كأعظم ما يكونان إلا معك .
و الفشل ما أروع أن يكون معك .
و البؤس لن يكون هة البؤس العظيم إلا معك .. شئ مضحك .

كم أود أن أنتقم منك .. يا حياتي .. و انتحاري .
إن الحقائق في ذروة تناقضها تبدو مضحكة .
هكذا أشعر و أنت أبعد ما تكون عني أنك أقرب ما تكون إلي ..
و أنك في دمي و نخاعي .. و في إنكاري و رفضي حينما أنكرك و أستنكرك و أرفضك .
هل أكرهك بمثل ما أحبك ؟
هل أصبحت كل عواطفي بسالبها و موجبها وقفا عليك ؟
الويل للمرأة حينما تتسم أعمق آبارها برائحة رجل .
و الويل لك مني .
و الويل لي مني .
و الويل لكل امرأة تنسى نفسها و تسرق منها الروح في غمضة عين .
و الويل لنا من أنفسنا اانانية حينما تطلب كل شئ و لا يرضيها أي شئ .. حينما تصبح كل نفس منا هي جحيمه الأبدي الذي لا خلاص منه إلا بالموت .

..
-- د.مصطفى محمود || كتاب أناشيد الإثم والبراءة --
‎تسألني.. ما الذي أحببته فيك؟؟
سوف تعجب إذا قلت لك إنها تجاعيد جبينك والخطوط الغائرة في خديك وذلك الحزن القديم في صوتك والإرهاق المستمر في عينيك وتلك الخطى المكدودة والكلام القليل والشرود والصمت الحائر..و كأنك تحاول تمسك بحبال اللاشئ .
إنه الضني ..
ضني المشوار الطويل الذي مشيته ..
الضني مجسدا في ملامح و صوت و إنسان قد أحببت فيك هذا الضني الناطق المعبر ..
إنه الإنسانية كلها في رجل .
و حينما أعطيتك يدي لتحتويها يدك و أعطيتك أسراري لتفترشها أسرارك .. أدخلتك في لحظتها في سواد العين و أسكنتك المهجة .

و أصبحت أتنفسك مع كل شهيق و زفير و أعيشك مع الفطور و فنجان الشاي و جرائد الصباح و تليفونات الأقارب و صوت المترو و ضجيج الميناء .

إنها أيام نادرة .. ذلك اللقاء العابر في نابولي .
بل هي حالة خاصة جدا و نادرة أن يلتقي اثنان كل منهما تجرد من ظروفه و طرح خلفه كل شئ من ماض و هموم و ارتباطات و مشاكل ليعطي نفسه خالصة مجردة نقية للاخر .

إنها لحظات أشبه بماء أعيد تقطيره من شوائبه و أعيد ترشيحه من رواسبه عدة مرات حتى أصبح شفافا مقطرا نقيا مثل النور المذاب ..

و كذلك كانت نشواتنا في تلك الأيام .
كانت مستخلصة نقية رائعة صافية مثل أشعة الفجر .. و كان طعمها و كأنها من كوكب آخر و كأنها من الجنة .

تلك حالة لم أعشها طوال حياتي من قبل .. و لم أعرفها .

و لا أظن أني سوف أعيشها بعد ذلك أو أعرفها أبدا .
أنت تقول .. كنا نحلم .
و أنا أقول .. بل كانت لحظة واقعية .. و كل دقيقة كانت حقيقة .. و أكاد أشم عطرك في مناديلي و أكاد أشعر بعرق  يديك في كفي بل كل حياتي قبلها كانت هي الحلم .  
و كل حياتك قبلها كانت خيالا .
و كل الدنيا قبلها كانت وهما .
كنت عمياء طول الوقت حتى أبصرتك و كنت وحيدة حتى صاحبتك و كنت لا آكل و لا أشرب حتى أكلت معك و شربت معك .. و كنت لا أضحك و لا أبكي حتى ضحكت معك و بكيت معك .
لم نكن نحلم إذن و لم يكن ما نعيشه حلما بل كان صحوة .
و لكنها كانت مجرد فترة .
كانت مجرد صفحات من كتاب العمر ما لبث أن طوتها يد الأجل التي لا تكف عن الجريان .
و حينما التقينا بعد ذلك في القاهرة قلت لي ساعتها .. إنك صدمت . 
قلت لي إنك تصافح امرأة أخرى .. امرأة تكاد لا تعرفها .. و تكاد لا تعرفك .
و اتهمتني ساعتها بخيانتك .. و بأن هناك رجل آخر .. و رميتني بالغدر و التلون .. و صدقني لقد رأيت أنا أيضا فيك رجلا آخر .. لا يكاد يعرفني .. و لا اكاد أعرفه .
و لكن لم يكن في الأمر خيانة .
و إنما كل ما حدث أن كلا منا عاد إلى جلده و التقى بالآخر مرتديا مناخ ظروفه الكامل مخنوقا بمشاكله ..

شاركتنا جلستنا على النيل قضية طلاقي من زوجي و مستقبل أولادي و رجل آخر كان يريد أن يتزوجني و نفقات علاج أمي المريضة بالخارج .. كما شاركنا الجرسون يناديك في كل دقيقة  .. لترد على تليفون و تحيات معجبات على الموائد الأخرى عرفن فيك الموسيقار المشهور.. ثم دخول واحدة بعد الأخرى على خلوتنا لتوقع لها في الأتوجراف .. ثم مرور أولادك ليشاركونا الشاي .. ثم حكاية زوجتك الأولى ومضايقاتها .. ثم حكاية الفيلم .. ثم .. ثم .. و يومها اختلف كل شئ .
فقدت اطمئناني كما فقدت أنت اطمئنانك .

شعرت لأول مرة بأنك لست ملكي و إنما لي فيك شركاء عديدون يشاركونا الجلسة و الحديث ثم باقي الليلة و باقي العمر سوف يشاركوننا الطعام و الفراش و الحياة .
كما شعرت أنت أيضا بنفس الشئ .
لم تجد تلك المرأة الخالصة التي رأيتها في نابولي .. و إنما رأيت زحاما من الناس و المشاكل .

و أنكرتني ..
و أنكرت نفسك .
و افتقدت ذلك الإحساس النادر بالخلوص والتجرد و النقاء .. كما افتقدته أنا أيضا ..
و افترقنا بوجوه فاترة .
و طالت الفرقة .
و أصبحت مكالمتنا على فترات أبعد و أبعد .
و  كنت أحس بنبرة الشك في صوتك .
و لكن صدقني يا مراد .
أنا لم أخنك مع أحد .
و لم أفكر في خيانتك .

و إنما الخائن الحقيقي والشريك الذي شاركنا هو الحياة ذاتها بضغوطها و شواغلها و تنوعها و تلونها و حضورها و تكاليفها التي أبهظتنا و خنقت الروح في داخلنا .
تلك اللحظة المستخلصة المرشحة المقطرة من ذوب نفسي و من ذوب نفسي لم يعد هناك سبيل إلى استعادتها .

لقد حدث هذا في لقاء عابر ذات أمسيات شاعرية في نابولي .
ولم يعد في الإمكان أن تعود هذه الأمسيات أبدا و هذا طبع الدنيا .
إن الخيانة كانت في الدنيا نفسها و لم تكن فينا .
و الحكاية أننا سقطنا من كوكب الجنة إلى الأرض فجأة و لم نعد نقبل تلوث الهواء و تضاغط الزحام و تدافع النافع و تلاحم الأحقاد و الأضغان في نسيج لقمة العيش المريرة .

كيف نشرب الماء مالحا بعد أن ذقناه عذبا فراتا ؟
كيف نعيش التلوث بعد أن عشنا النقاء ؟
كيف نزحف على بطوننا في أوحال المشاكل بعد أن كنا نحلق بأجنحتنا في فضاء فسيح كله ملكنا ؟
كيف أشعر براحة و أنا أحس بكل شئ حولي يسرقك و يأخذك و يشاركني فيك ؟
كيف أحبك و أنا أحس بكل شئ حولي يسرقك و يأخذك و يشاركني فيك ؟
كيف أحبك في اطمئنان وكل هذه الضوضاء حولك و أضواء الكاميرات حولك و عيون حسناوات عديدات تلمع حولك في كل صورة .. و كل واحدة تهددني في مستقبلي  ؟
و أنت ..
ماذا كان شعورك و أنت تقرأ خطابات ذلك المجهول الذي يغازلني ؟ .. و ماذا قال لك خيالك و أنت تستمع إلى أولادي يحكون عن أبيهم و كيف كان يحبني و كيف كنت أحبه ؟ .. ثم ذلك الرجل الذي ينتظرني منذ عشرين عاما و يحبني في صمت و رهبانية و فداء .. و ينتظر ذلك اليوم الذي أكون له فيه .
هل يمكن أن تأخذني بكل هؤلاء الشركاء و بكل هذه المنغصات التي سوف تسرقني منك حتى و أنا بين ذراعيك ؟
هل يمكن أن ترضى بالشرود و الغياب في عيني و أنت تقبلني ؟
و هل يمكن أن أقبل إعجاب امرأة أخرى و أنا أنظر إليك أم أن كلا منا سوف يرفض هذا الواقع و يعطي ظهره لصاحبه و يعود ليحلم بلقاء آخر في نابولي ؟
يعود ليحلم بتلك النشوة الخالصة المستقطرة من النور المذاب ..
هل يمكن ان ننزل من سماوتنا لنعيش حياة الأرض معا .. و هل نصلح لحياة الأرض ؟
وهل نرضى حياة زوجية مكررة باهتة ؟
ألا ننكر فيها ما أنكرناه في بعضنا اليوم ثم نعود فنغامرو نحاول أن نلمس سماء الجنة و لو أضعنا كل شئ و لو حطمنا بعضنا بعضا ؟
لا أدري كيف أجيب ؟
 و لا زالت نفسي تراوغني كلما حاولت أن أفهمها 
فهل تدري أنت ؟
صدقني أنا لا أعرف ماذا أريد بالضبط ؟
و لا من أنا ؟
و كل ما أعلمه بيقين أني عشت ذات يوم بملء النفس حينما كنت لي المهجة و الفؤاد و سواد العين و كل شئ .
و أنها مرت و لا سبيل إلى عودتها أبدا .
و مأساة الزمن .. أنه لا توجد لحظة تتكرر مرتين .. و إنما هو نهر دائم الجريان يتغير فيه الماء باستمرار و بلا توقف .
شئ واحد يمكن أن يردني إليك .. هو إحساسي الدائم بأنه لا يوجد في الكون نفسان تتبادلان معا أخذا و عطاء وبكل العمق مثل نفسي و نفسك .
و أحيانا أقول لنفسي .. حتى إذ لم يبق لي إلا الحزن فلا أجمل من أن أتبادله معك .. حتى الملل واليأس فلن يكونا كأعظم ما يكونان إلا معك .
و الفشل ما أروع أن يكون معك .
و البؤس لن يكون هة البؤس العظيم إلا معك .. شئ مضحك .

كم أود أن أنتقم منك .. يا حياتي .. و انتحاري .
إن الحقائق في ذروة تناقضها تبدو مضحكة .
هكذا أشعر و أنت أبعد ما تكون عني أنك أقرب ما تكون إلي ..
و أنك في دمي و نخاعي .. و في إنكاري و رفضي حينما أنكرك و أستنكرك و أرفضك .
هل أكرهك بمثل ما أحبك ؟
هل أصبحت كل عواطفي بسالبها و موجبها وقفا عليك ؟
الويل للمرأة حينما تتسم أعمق آبارها برائحة رجل .
و الويل لك مني .
و الويل لي مني .
و الويل لكل امرأة تنسى نفسها و تسرق منها الروح في غمضة عين .
و الويل لنا من أنفسنا اانانية حينما تطلب كل شئ و لا يرضيها أي شئ .. حينما تصبح كل نفس منا هي جحيمه الأبدي الذي لا خلاص منه إلا بالموت .
 
..

-- د.مصطفى محمود || كتاب أناشيد الإثم والبراءة --‎

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.