الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خير حافظ من شياطين الإنس والجان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المتوكل على ربه، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله:
إن من عقيدة المسلم في هذه الحياة الدنيا الإيمان بالغيب، وهذا علامة من علامات الإيمان الصادق لقول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، وذكر سبحانه أن من هذه صفته فهو على هدى من ربه وهو من المفلحين، ومن الإيمان بالغيب الإيمان بالقدر خيره وشره، وبالموت، والبعث والنشور، والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك من الغيبيات فكل هذه الأمور يتعين على المؤمن الإيمان بها وسبيله في ذلك التوكل على الله والاستعانة به، واللجوء إليه، والاستعاذة به، والتحصن به من شياطين الجن والإنس.
وإن مما يدمي القلوب في وقتنا الحاضر ظهور قنوات هدامة تدعو إلى الضلال، وتدعو إلى الشرك والكفر عن طريق نشر السحر والسحرة للاستعانة بهم في دفع الضر وجلب النفع، وهذه مصيبة المصائب أن يخرج من بين المسلمين من يدعو إلى هذا الضلال، فهل يمكن لأحد أن يدفع الضر عن أحد إلا بإذن الله؟ وهل يمكن لأحد أن يصرف الضر عن أحد إلا بإذن الله؟ والمصيبة الأعظم من ذلك هي وجود أناس بين المسلمين ينساقون وراء هؤلاء الضالين المضلين، يشاهدونهم، ويستمعون إليهم، وتتعلق قلوبهم بهم، بل ويأخذون كلامهم بيقين عظيم بأنهم يستطيعون كشف الضر عنهم، أو جلب النفع لهم، وهذا هو الخسران المبين.
فكيف يحصل هذا ممن آمن بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن هادياً أن يتوجه هذا التوجه الخطير، كيف يليق بالمسلم العاقل أن يتعلق قلبه بغير الله تعالى، ويظن أن أحداً من الخلق كائناً من كان يستطيع أن يجلب له النفع أو يدفع عنه الضر من دون الله، ولكن القلوب إذا ضعف فيها الإيمان انساقت وراء أصحاب البدع والضلالات، وأصبحت رهينة لتوجيهاتهم.
عباد الله:
لقد أمرنا الله تعالى أن نتوكل عليه وأن نستعين به في كل أمورنا الدينية والدنيوية، فلا سبيل للناس في هذه الدنيا للحصول على السعادة والراحة إلا بالاعتصام بالله تعالى.
وأخبرنا ربنا جل وعلا أن من الجن والإنس شياطين يريدون أن يضلونا وأن يبعدونا عن صراط الله المستقيم، ويريدون أن يسببوا لنا الأذى النفسي والبدني، فهم يوسوسون، وينفثون سمومهم الكفرية بين بني آدم، ويرسلون عليهم أعوانهم ليؤذوهم وليلبسوا عليهم دينهم، قال تعالى:﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: 112]، وقد بين الله تعالى لنا في كتابه في آيات كثيرة عداوة إبليس لنا، وأنه حريص على إضلالنا وصرفنا عن صراط الله المستقيم فقال تعالى:﴿لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168]، وقوله: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [النساء: 60]، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ [النساء: 118- 120]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ﴾ [المائدة: 91]، وقال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: 27].
فكل هذه الآيات تبين شدة عداوة الشيطان لبني آدم وخصوصاً عباد الله المؤمنين، فهو حريص على كل ما يضرهم من الكفر، والبدع، والمعاصي، وتعليق قلوبهم بغير الله، والاستعانة بغيره، وغير ذلك مما يقدح في إيمانهم وعقيدتهم، ولكن الله تعالى رحمة بعباده المؤمنين أنار لهم الطريق بالبرهان الساطع والكلام الواضح المبين، فحذر العباد منه ومن أعوانه فقال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6]، وحذرنا منه أيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحاديث كي نتجنب وسوسته وأذاه، لذلك وجب علينا أن نعتصم بالله تعالى منه ومن أعوانه، ولعلم الله تعالى بضعفنا وقلة حيلتنا مع هذا العدو الذي لا نراه فقد وجهنا إلى طرق عديدة للاستعاذة منه ومن شره، وأيضاً جاءت أحاديث كثيرة بين فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين من بعده كيفية التعامل مع هذا العدو الخفي وغيره من الأعداء الظاهرين من الإنس الذين أصبحوا معاول هدم للدين.
عباد الله:
من أراد أن يحفظه الله تعالى من كيد شياطين الجن والإنس فليبادر إلى معرفة هذه التوجيهات الشرعية التي علمنا إياها رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، ومنها:
أولاً: التعلق بالله تعالى والاستعاذة به، فما خاب عبد علق قلبه بربه، وتعوذ به، ولجأ إليه، واستجار به، كيف يكون لعدو الله عليه سلطان، والله وليه وحافظه، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء:65]، وقوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل:99]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطَّلاق: 3] ، وقال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [فصِّلت: 36] .
ثانياً: حفظ أوامر الله تعالى ونواهيه: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس في وصيته الجامعة: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله..))؛ رواه، فالعبد عندما يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقلبه حيث تجده قريباً منه فيستأنس به في خلوته، ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يجد ذلك إلا من أطاعه في سره وعلانيته، ومتى وجد العبد هذا فقد نال ولاية الله تعالى، فإذا سأله أعطاه، وإذا دعاه أجابه، وإذا توكل عليه كفاه. فحفظ الله للعبد بقدر حفظ العبد لأوامر ربه ونواهيه.
ثالثا: المحافظة على الأوراد والأذكار الشرعية:
فمن الأسباب التي يعتصم بها العبد من شياطين الإنس والجن ما يلي:
(1) التسمية، وهو قول (بسم الله): قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله))؛ رواه الترمذي،وصححه الألباني في صحيح الترمذي (496)، وهذا دليل على فضل التسمية وبركتها، وأنه ينبغي للمسلم تعويد لسانه عليها في كل أمر وعلى أي حال ليبارك الله في أعماله، ويحصنه من الشياطين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.